أسماك ملونة لا تعيش فى الماء .. فى معرض الفنان محمد عبد اللاه |
المقاله تحت باب معارض تشكيلية محمد عبد اللاه، فنان مصرى حاصل على درجة الدكتوراه فى فلسفة التربية تخصص تربية فنية عام 2000، ويعمل حاليا كمدرس بقسم التربية جامعة المنيا، ومنذ تخرجه فى الجامعة وهو يشارك فى الحركة الفنية المصرية بأعماله، سواء على المستوى الفردى أم من خلال المعارض والفعاليات الفنية المختلفة التى تقام داخل مصر، ولقد عرفه جمهور الفن بأعماله المرسومة بالأبيض والأسود على وجه الخصوص، ومثلما تميز فى مجال الرسم فقد تميز أيضا فى مجال التصوير، وهو يثبت من خلال معرضه الذى أقامه مؤخرا بأتيليه القاهرة، أن أعماله فى التصوير لا تقل بأى حال من الأحوال عن أعماله فى الرسم بالأبيض والأسود، هذا المعرض الذى اختار له مفردة واحدة لتكون عنوانا وتيمة مشتركة للأعمال المعروضة جميعها، إذ يفاجأ الزائر إلى معرضه بهذا التكرار المكثف لهذا العنصر الذى اختاره الفنان بعناية من بين عناصر الطبيعة، وهو {السمكة}، هذه المفردة التى سبق أن تناولها غيره من الفنانين المصريين، كل حسب طريقته، وأسلوبه الخاص، فهى أحد العناصر الطبيعية التى تحمل العديد من المقومات التشكيلية، والرمزية أيضا، كما أنها تضرب بجذورها عميقا فى قلب الموروث الفنى المصرى منذ آلاف السنين، وعالجها الفنان الشعبى المصرى كأحد المفردات المرتبطة بالخير والنماء، هذه هى المفردة التى اختارها الفنان، والتى تكررت فى جميع الأعمال المعروضة فى ذلك المعرض، ولكن على الرغم من هذا التكرار المكثف الذى يسترعى الانتباه لأول وهلة، إلا أن المتأمل لهذه الأعمال المعروضة لا يشعر بأى ملل أو رتابة حين يتجول بعينيه خلالها، بل ربما يدهشه ذلك التداعى فى الأشكال، والتراكيب المختلفة التى أتى بها ذلك الفنان، وتمخضت عنها قريحته بهذه السهولة والتمكن والقوة. وكان لزاما علينا أن نتوجه إلى الفنان وهو فى خضم احتفائه بمعرضه هذا كى نتعرف منه أكثر على هذه التجربة وتلك المفردة التى اختارها لتكون تيمة لمعرضه، فكان لنا معه هذا اللقاء. سألناه فى البداية عن هذه التجربة الجديدة التى يقدمها لنا فرد قائلا: -فى بداية هذه التجربة وقبل الشروع فى العمل، كان لدى تصور آخر حول المسار الذى سوف أتبعه، وكان السياق الذى كنت أحاول تقديمه من خلال هذه التجربة يتلخص فى هذا العنوان الذى وضعته لها وهو "أسماك، وأشياء أخرى" على افتراض أنى سوف أتخذ من هذه المفردة منطلقا لتناول عدد آخر من المفردات والعناصر الأخرى المختلفة، لكن الذى حدث هو أننى استغرقت بكامل طاقتى فى رسم هذه المفردة وحدها، أو يمكن أن تقول إنها هى التى أسرتنى بامكاناتها التشكيلية اللامحدودة، نعم فهذه المفردة – السمكة – تحمل العديد من الرؤى الفنية والتشكيلية المتعددة، وتنطوى على ثراء من نوع خاص، أو هذا على الأقل ما اكتشفته بنفسى فى غمرة انشغالى بهذه التجربة، التى اعتمدت بشكل أساسى على توظيف هذه المفردة داخل الأعمال بأشكال وتراكيب تخضع لحسابات التشكيل فى الأساس دون التقيد بالبيئة التى تنتمى إليها هذه المفردة المرسومة. * لماذا وقع اختيارك على هذا العنصر بالذات من بين العناصر الطبيعية الأخرى التى تزخر بها الطبيعة؟ - السمكة لها مكانة خاصة داخل الموروث الثقافى والفنى المصري، كما أنها تحمل الكثير من الدلالات التعبيرية فى هذا الموروث الفنى بدءا من الفن المصرى القديم أو الفرعوني، وحتى القبطي، وجزء من الفن الإسلامي، وكذلك الفن الشعبى الذى استوعب بدوره كل هذه الفنون السابقة، واحتفظ لهذا العنصر بمكانة خاصة ومميزة تحديدا فى فن الوشم والسحر، وهو المنطلق الذى اتخذته وبدأت منه بحثى فى هذه المفردة. *هل هذا يفسر عدم التزامك بتناول البيئة الخاصة، أو الطبيعية التى تنتمى إليها هذه المفردة ؟ - نعم، إذ لم يكن من الممكن أن أتعرض لهذا العنصر بشكله المباشر، أو الطبيعى بطريقة قد تعرض هذا التناول للسطحية، وكان لابد من البحث لها عن بيئة تشكيلية أخرى تتناسب مع هذا الموضوع والسياق الذى أتعرض له، ولكن بشكل يتناسب أيضا - إلى حد ما - مع هذه البيئة الطبيعية، فقد تعمدت فى كثير من الأعمال على سبيل المثال، استخدام الألوان الصريحة، والدرجات التى قد يراها البعض متناقضة أو متنافرة كالأحمر والأخضر، وهو الأمر الذى مثل لديّ إشكالية أخرى حاولت التغلب عليها من خلال المعالجة التشكيلية. فى المقابل، وفى مواجهة الطبيعة العضوية لبيئة المفردة هذه، تعمدت أن أخلق بيئة أخرى تتسم بالهندسية، والخطوط الواضحة الصريحة التى حاولت قدر الإمكان أن أجعلها تتعايش مع مفردة السمكة، وهو الأمر الذى أزعم أننى قد نجحت فيه، أو على الأقل قطعت فيه شوطا طويلا يرضينى على المستوى الشخصي. وفى سياق الامعان فى إبراز هذا التناقض بين البيئة التشكيلية والبيئة الطبيعية للمفردة، تعمدت أيضا تناول السمكة داخل اللوحات وهى فى حالة الثبات وليس فى حالة الحركة التى هى من أبرز صفاتها أو طبيعتها، وربما كان هذا التناقض الذى بدا على تناولى لهذه المفردة مبعث دهشة أو جذب للمتلقى الذى لم يتعود على رؤية هذه المفردة فى مثل هذه الأجواء، أو البيئة غير المألوفة. * هل اطلعت على أعمال الفنانين الآخرين الذين تناولوا نفس هذا العنصر من قبل سواء فى مصر أم فى العالم العربي؟ - نعم هناك الكثير من الفنانين الذين تناولوا نفس هذا العنصر فى أعمالهم، ولعل أشهرهم على المستوى العربى الفنان المصرى جميل شفيق، وكذلك الفنان السورى يوسف عبدلكي، وهناك العديد من المعالجات التى تناولت هذه المفردة، ليس فى الوقت الحاضر فقط بل على مر العصور والأزمنة المختلفة، ولكن الذى يدهشك حقا هو كم الثراء والزخم التشكيلى الذى تتمتع به هذه المفردة بالذات، وقدرتها على التكيف والتشكل والتهيؤ فى أنماط مختلفة ودلالات تعبيرية لا حصر لها فى أعمال هؤلاء الفنانين. |