الرسامة المصرية فاتن النواوي... الكائن بصفته طفلاً في مواجهة الكون

المقاله تحت باب  مقالات
في 
13/05/2008 06:00 AM
GMT



    الطفل، ولزومياته من أمّ وأرجوحة ولعبة وكرة وأحيـــاناً أب، هو القاسم المشترك بين لوحات مــــعرض الرسامة فاتن النواوي الذي افتتحه في أتيلييه القاهرة الفنان محسن شعلان، رئيس القطاع المصري للفنون التشكيلية وصلاح المليجي، رئيس الإدارة المركزية للمتاحف والمعارض. تقوم اللوحات في مجملها على تقنيات الرسم بالزيت والأكريليك والباستيل أويل، على «شاسيهات» كبيرة الحجم يصل عرضها إلى متر ونصف المتر في معظم الأحيان.

تعمل اللوحات عادة على مســـــتويين. أحدهما في الواجهة، وألوانه صريحة حادة صارخة بالبرتقالي في تفاعله الضدّي والتكامليّ مع البنفسجي ودرجات الأزرق، والثاني هو الخلفية التي ظهرت بألوان باهتة وخطوط مفككة مقطعة. سوى أن الخلفية تمثل عنصراً أساسياً في جدلها المستمر مع الواجهة. كأن حواراً سجاليّاً يتم بينهما لتكتمل فكرة اللوحة. تعتمد اللوحات في مجملها تيمة الرمز لتحكي قصصاً عن إخفاقات الإنـــسان في مواجهة الكون الواسع. ويظهر الطفل دائماً بصفته البطل الرئيس. وبما أن الإنسان، مهما أوغل في العمر، يظل طفلاً حال الكلام عن عمر الكون الهرم.

لوحة جسّدت أطفالاً ثلاثة يتعلقون في حبل لا نرى نهايته. كأنما معلق في السماء. وعند أسفل الحبل يتعلّق طير شرس له منقار معقوف كأنه ينوي نهش الحبل ليسقط الأطفال من شاهق. الحبل ربما يرمز الى الحبل السريّ الذي يربط الأم بجنينها، سوى أن الأم هنا هي السماء، التي تجهد في أن تشدَّ أطفالها إليها، بينما قوى غامضة تحاول إسقاطهم. في الخلفية تظهر، على نحو باهت، مجموعة من الكواكـــب الشبيهة بكوكب الأرض على سطوحها ضوار وحيوانات مفترسة بينها إنــــسان يترنح يكاد يسقط تحت أنيابها. هلع في عيون الأطفال فيما الطفلة الأكبر سنّاً تحتضن وليداً بعد لم يع الخطر المحدق به. في لوحة أخرى نجد أســــرةً صــــغيرة، من أب وأم وطفل، متمددة في استـــــسلام جوار عجلة خشب كبيرة، علّها تمـــــثل الحياة في موارها ودوامتها، فيما عيون الجميع مشـــدودة إلى أعلى شاخصة بخوف وترقّب نحو ذئب ضخم يمتطي هذه العجلة مبرزاً أنيابه الحادة. وفي الخلفية يبرز عنق طائر مـــسالم ولــكن مستكين، علّه الأمان المفقود.

لوحة أخرى تحاكي الأسطورة الإغريقية التي عاقبت العملاق أطلس حين اقتحم جبل الأولمب فحكم عليه زيوس بحمل قبّة السماء فوق ظهره إلى الأبد. سوى أن لوحة النواوي جعلت، بدلاً من أطلس الأســـطوري، رجلاً يقف حافياً فوق سطح الأرض، ويحمل فوق ظهره كرةً أرضية أخرى، ويمـــسك بيديه مدارين فلكيين تدور في منتصف كلّ منهما كواكب أرض أخرى. بينما طفل صغير يعتلي الكرة الأرضية العليا ويلهو بهذه الكواكب بإصبعه. إنه رمز، ربما، لتشظي العالم وتكاثره وتوالده كدلالة ضدِّ لاتحاده وتعاضده.

تسيطر على اللوحات تيمة صراع الإنسان الأعزل مع الكون الجبار. هذا رجل أعزل من السلاح إلا من عصا يحـــملها بــيسراه. فيما اليمنى مكبلة بأصفاد موصولة بكرات من الصلب، يؤكد توثيقه طائر بمنـــقار يعتــلي ذراعه. كواكب في الجوار تنفث حممَها، وثمة رجل آخر في الخلفية يتسلق العصا ليسند بكفه كوكباً آخر يتدحرج فوق العصا يودّ السقوط.

كل هذه الفوضى الكونية تكرّس فكرة ضآلة الإنسان وانسحاقه تحت وطأة أسئلة كونية عاتيـــة لا قِبَل له بها. عيون كلِّ شخوصِ اللوحات واسعة تشخص في هلع والحيرة تملأها. الأقدام عارية والأكف لا تتوقف عن العمل. عدا لوحة أخرى تمثل أمّاً تحمل طفلها فوق كتفيها. الطفل يلهو بمفردات الكون من مدارات وكواكب وكرات، بينما الأم تشرع كفيها عالياً نحو السماء كأنما في هيئة الدعاء، وربما تحيط بذراعيها فضاء الطفل لتمنعه من السقوط من شاهق. ذاك أن هذه الأم أيضاً تجلس فوق سطح كوكب ما.