التشكيلي الراحل سمير رافع واحتفال بمكتبة الإسكندرية: الغريب العائد إلى وطنه بسبعين عم

المقاله تحت باب  معارض تشكيلية
في 
18/05/2009 06:00 AM
GMT



 استقبل مركز الفنون بمكتبة الإسكندرية معرض التشكيلي الكبير الراحل 'سمير رافع' والذي استمر من التاسع عشر من كانون الثاني (يناير) الماضي حتى الرابع عشر من شباط (فبراير) الجاري بالقاعة الشرقية بالمكتبة.

ضم المعرض ما يتجاوز سبعين عملا تمثل مراحل مختلفة لتطور تجربة الفنان سمير رافع، المولود في مطالع القرن الماضي والذي يعد بين أهم المؤسسين لحركة التشكيل المصري الحديث.

قال المايسترو شريف محيي الدين مدير مركز الفنون في كلمته حول المعرض إن المركز يرى أن مجرد قيامه بعرض أعمال سمير رافع يمثل شيئا جديرا بالاهتمام والتقدير، حيث اصبح سمير رافع خلال سنوات مبكرة من حياته أحد أعلام جماعة الفن المصري المعاصر، وتميز عن أقرانه بالجماعة بالاهتمام الثقافي والتنظيري، وبالكتابة في الفن عن الفنانين اللامعين في عالم القرن العشرين، ويضيف محيي الدين أن سيرة هذا الفنان بالغة الثراء وكذلك إبداعه، منذ تعرف على الرائد حسين يوسف أمين في المدرسة الثانوية إلى ان اختار الهجرة الدائمة بلا انقطاع في فرنسا، ويقول أن ما يزيد من اعتزازه بسمير رافع هذا التقدير الذي يلقاه من كبار الفنانين في مصر والذين تطوعوا للإشراف على المعرض وإعداده إعدادا كاملا.

أما الفنان والناقد مصطفى الرزاز فيشير في بداية حديثه عن سمير رافع إلى أن الفنان أحمد فؤاد سليم قدم عام 1985 معرضا كبيرا للوحات الفنان، ويرى الرزاز أن هذا المعرض كان نادرا ورائعا عن فنان هاجر بصفة نهائية من مصر منذ أكثر من خمسة وعشرين عاما قبل وفاته، ثم تكرر الأمر بمعرض آخر قدم بقية أعمال رافع، أما المعرض الثالث والأخير فهو معرض مركز الفنون بمكتبة الاسكندرية.

ويقول الرزاز إن رافع كان اثناء حياته بمصر ملء السمع والبصر وكان مشاركا في النشــــاط العام مع معظم الجماعات الفنية الطليعية التي عاصرها منذ دراسته الثانوية مثل جماعة الفن والحرية التي أسسها جورج حنين ورمسيس يونان وفؤاد كامل، وجماعة الفن المصري المعاصر التي أسسها استاذه ومكتشـفه حسن يوسف أمين مع عبدالهادي الجزار وحامد ندا وأحمد ماهر رائـــف وآخـــرين وذلك قبل أن يتخـرج في كلية الفنون الجمـيلة بالقاهرة عام 1948 من قسم الزخرفة ثم حصوله على دبلوم المعهد العالي للمعلمين، ثم بعثته الى فرنسا للدراسة حـيــث استقر هناك متنقلا بين باريس والجــــزائر التي شغل فيها بعد التحرير مباشرة مناصب عدة نتيجة لصداقته بالرئيس أحمد بن بيلا ورفاقه أثناء كفاحهم في سبيل التحرير.

ويضيف الدكتور الرزاز أنه يبدو أن سمير رافع أصبح مقلا في الانتاج الفني مركزا على إجراء اللقاءات الحوارية مع أبرز فناني أوروبا في الستينيات حيث التقى بسلفادور دالي، بابلو بيكاسو، خوان ميرو، جورجيو دي كيركو، جياكوميتي، بفزنر، كوكتو، وغيرهم، ويشير الرزاز الى ان الكاتب والصحافي كامل زهيري نشر تلك الحوارات على صفحات مجلة 'الهلال' حين كان رئيسا لتحريرها في الستينيات.

ويرى الرزاز أن أعمال رافع في المرحلة الأخيرة من الفترة الباريسية المطولة كانت بمثابة اجترار لرصيده الإبداعي الحيوي في المرحلة القاهرية، ولكنها لم تحتفظ بالنبض الدافئ والسحر الذي تمتعت به أعماله المبكرة، أما فترة الخصوبة والتوهج الإبداعي والانخراط في قضية اجتماعية سياسية حسب الرزاز فقد تجلت في المعارض الخمسة التي أقامتها جماعة الفن المصري المعاصر اعتبارا من عام 1946، وفي عام 1951 أقام رافع أول معرض فردي لأعماله التي صورها في الفترة من 1945 إلى 1951 بنادي المحامين بالقاهرة.

ويشير الرزاز الى أن المعرض لفت اهتمام 'الكونت دار سكوت' البلجيكي، الذي سبق أن ألف كتابا عن مصوري ونحاتي مصر الحديثة، ونشر في بروكسل وكان قد تعرف على أعمال سمير رافع لأول مرة في معرض 'مصر وفرنسا' في باريس عام 1949، الذي أشرف على إقامته محمد محمود خليل بك رئيس جمعية محبي الفنون الجميلة، حيث عرض سمير رافع لوحة 'من وحي مصر'.

ويضيف الرزاز أن 'دار سكوت' لخص الشخصية الفنية لسمير رافع في أن بها تحويرا نوعيا لأشكال ودرجات ألوان نقية، ونزعة رمزية، كل ذلك مع روح الكلاسيكية يحكمها الاتزان والرسوخ.
ويضيف ان دار سكوت قسم أعمال رافع آنذاك الى ثلاث مراحل: الأولى تمتد من عام 1945 الى بداية 1947 وفيها بدأت تتفتح شخصية الفنان، وتمثلها لوحة 'دافئ' التي تبشر بميله المبكر في التعبير عن الأنثى المتحولة إلى عالم الحيوان وعالم النبات، تظهر في هذه المرحلة ايضا ملامح سريالية ملموسة، وميل نحو الألوان الموتوكرومية أحادية اللون واللوحات في هذه المرحلة معبأة بالرموز المباشرة كما في أعمال الزمن وفلسفة تشاؤمية 'وأرض مصر' و'الوادي الأخضر'.
أما المرحلة الثانية التي ينقلها الرزاز عن سكوت فهي بين 1947 و1948 وفيها أصبحت ألوانه اكثر سطوعا وتحررا، وتميزت بالتحامه بالجذور الكامنة في الفن الشعبي المصري، التي أعطته خصوصيته المميزة واستخدام العجائن اللونية السميكة مع استمرار النزعة الرمزية والشخصية السريالية، أما المرحلة الثالثة فتبدأ من عام 1949 حيث ازداد فيها ميل رافع الى استخدام الدرجات اللونية المباشرة والميل نحو التجريد الرمزي، ويقول الرزاز هنا أن أعمال سمير رافع تتراوح في الخمسينيات بين الموضوعات الوطنية كالمقاومة الشعبية في بورسعيد وبين الموضوعات الميتافيزيقية الانسانية التي يتجنب فيها التعبيرية مثل ملامح خصوصية البيئة أو السحنات او الرموز المصرية أو التي لا تنتمي الى أي جنسية أو وطن.

ويختتم الرزاز حديثه عن سمير رافع بقوله أن سمير رافع بعد هذه الفترة أبدع مجموعة من التجارب بالغة الأهمية من حيث سبقها في حركة الفن المصري الحديث وهي مجموعة كولاجية استخدم فيها تباينات الخامات والتعامل مع الأضواء الساقطة عليها.

أما الفنان أحمد فؤاد سليم الذي أشرف على إعداد المعرض فقد قال في كلمته التي نشرت مرافقة لكتالوغ المعرض فقد استعرضت ايضا المراحل التي مرت بها تجربة سمير رافع. ثم استعرض سليم التجربة من الناحية الفنية والتقنية ويقول ان المتابع لأعمال رافع سوف يلاحظ تكريسا واضحا يرمي الى تحديد الأشكال والعناصر عن طريق استخدام الخط الخارجي المعتم الثقيل القوام، بدلا من الاعتماد على الحلول البينية في مناطق الظل والنور، وكذلك تنحية البعد الثالث الوهمي وهو ما يجعل البناء المعماري للعمل كما لو كان نوعا من القص واللصق.

ويضيف سليم أن ثمة رموزاً شعبية في أعمال سمير رافع تجعلنا نرى المرئي وكأنه حلم عابر، فنرى في رسوم السمكة، والدراويش، وعين الحسود، ويد فاطمة، والودع والرمل، والأطباق الخاوية، والجوع، والكتشينة، والزير، والجرة، والديك، والعصفور، والأفعى، والأسد المفترس، والتمائم، والعائلة، والمحبين، والعرايا، والجنس الفاضح، والطبيعة الحية والميتة، بل إن الكلب والقط والآدمي ليسوا في أعماله سوى ذئاب ناهشة.

ويردف سليم أن سمير رافع نهل من رافدين أساسيين أحدهما هو 'الغيب'، الذي يجسد غربة 'الغريب'، مثلما يكرس وحشة المكان والزمان، وعذاب الروح، وطاقة التنجيم، وثانيهما هذه العائلة التي شكلت أمامه صورة العالم في الصورة الفنية.

ويقول أحمد فؤاد سليم في وصفه لريشة رافع: كانت ريشته قوية تعرف بدايتها ونهايتها، وكانت خطوطه المتقاطعة على السطح كمثل السلك المكهرب العاصي، مشحونة بالوجد على السطوح البكر، وكانت ألوانه وكأنها تشيح بضوئها فوق بعضها بعضا مثل رقائق الأصداف والمحارات الفردوسية مضيئة بسطوحها الناتئة.