معرض يجمع ثلاثة رواد للفن التشكيلي بقطر |
المقاله تحت باب معارض تشكيلية ما كان ممكناً قبل ثلاثين عاماً لم يعد ممكناً الآن! قد يذكرنا العنوان بجماعة "الأصدقاء الثلاثة" التي أسسها ثلاثة رواد للحركة التشكيلية القطرية في بداية الثمانينيات من القرن الماضي، لكن هذا المعرض الذي يحتضنه مركز واقف للفنون حالياً وبالتزامن مع معرض الفنانين المستشرقين يهدف، بكل بساطة، إلى إشاعة الفن لدى عامة الناس والنخبة على حد سواء وفي المكان الملائم.
بطبيعة الحال تتشابه الأهداف، فتلك الجماعة، أي الأصدقاء الثلاثة، كانت أيضاً تهدف إلى جعل الفن التشكيلي مادة يومية وقابلة للتداول المباشر من قبل الجمهور، تذوقاً واقتناءً، وبحثاً ونقاشاً أيضاً، بيد أن الزمن تغير، وما كان ممكناً قبل ثلاثين عاماً لم يعد ممكناً الآن إلا بشروط معينة، فلا بد من توفر صالة عرض بمواصفات وتقنيات محددة، ولا بد من التحضير الجيد للفعالية قبل مدة، ولا بد من وجود جمهور متنوع .. وهو ما حققه مركز واقف للفنون في قلب السوق التاريخي القديم لمدينة الدوحة. الرواد الثلاثة الذين فاجأوا زوار مركز واقف مساء الخميس الماضي بأحدث تجاربهم علي حسن وفرج دهام ويوسف أحمد اختاروا بالاتفاق مع المركز شكلاً مسلسلاً للعرض، فكل واحد منهم انتقى بضع لوحات في قاعة مستقلة تمثل جانباً من التجربة التي توصل إليها خلال سنوات طويلة من الممارسة والخبرة الإبداعية. علي حسن قدم علاقته الروحانية العميقة مع حرف "النون" حيث تصدرت لوحة كبيرة له في القاعة الصغيرة حملت شحنة حروفية صاعدة عبر حركة الخط القوية والمتذبذبة بموجاتها وتدرجاتها وظلالها عكست جمالية الحرف العربي وإمكانية استثماره في مسار الحركة التجريدية المعاصرة للفن التشكيلي، فالحرف كخط مجرد واللون كعنصر مجرد كلاهما يختزل كثيراً من المادة البصرية القابلة للتلقي والتأويل. وما يثير الانتباه في هذا العرض المفارقة التي أضفاها علي حسن على تجربته بالاشتغال على الدرجات اللونية الداكنة في الخلفية فيما لعبت الخطوط دوراً شاعرياً شفافاً على سطح اللوحة. أما الفنان فرج دهام فقد عاد بكتله الجسدية الضخمة والتي تحيلنا إلى مفاهيم النحت عبر مجموعة من اللوحات ذات السطوح المعتقة بالسحج والثقب والحرق مثيراً عدداً من التساؤلات الجوهرية حول علاقة المشهد البصري بما وراءه من حقائق فيزيائية وكيميائية، حيث تحتاج لوحته إلى كثير من التأمل لاستكناه أبعاده الفلسفية والجمالية. الفنان يوسف أحمد أكثر الفنانين القطريين تمرداً وشطحاً على المستويين التجريدي والتقني، خصوصاً في استخدامه للخامات والعجائن التي يصنعها بنفسه، قدم ثلاث لوحات جديدة ومغامرة بالمعنى الإبداعي والتواصلي، الأمر الذي يدفع بلوحته نحو صدارة التجارب الحروفية المعاصرة ليس فقط عربياً، بل عالمياً أيضاً، واللوحات الثلاث ذات الأحجام الكبيرة التي يعرضها يوسف أحمد في القاعة المخصصة له تشف عن حسية فنية عالية تضع المشاهد أمام الخاصية المسرحية للوحة، فالسطح المتعرج والخشن المشبع بالتضاريس والتفاصيل الحميمة يؤكد مرة أخرى اختلاف الفن التشكيلي عن غيره من الفنون البصرية، الواقعية منها والتجريدية، وذلك لإمكانياته الملمسية وما يثيره من أحاسيس في حال التلقي المباشر للعمل. |