أرواح عراقية .... تغفو على لوحات تشكيلية في أمستردام |
المقاله تحت باب معارض تشكيلية حين أشرقت شمس العراق انطفأت عيون الأحبة وتوسدت الشظايا، لا زالت أصابعهم تبحث كل يوم عن الصباحات التي سرقت، وعن الأرواح التي رقصت على لوحاتهم، رقصات لن تتكرر لأن افراحهم احزان السنوات التي غادرنا فيها الرب فتحول الفجر الى مقصلة للأمهات وأطفالهن. لا زال الليل مبتسما يسخر من امطار النزيف التي سقت هامات العشاق فأكملوا لقائهم خلسة في التراب ليعانقوا اوصال بعضهم البعض حينما لم تعد نظرات المارة تمثل لهم شيئا.. لذا أهداهم العشق صمتا وظلاما ليوقدوه بلقائهم الأخير. كانوا يفترشون تلك اللوحات ليناموا بهدوء، كأنهم نور يأتي من العتمة,ولايستيقظون الا حين ينام الليل ,ليستيقظ الشاعر والشهيد والأسئلة,وذلك الذي لا أستطيع ذكر اسمه لئلا تنضب الدموع ,ولئلا تذبل ازهار الجفون. رسموا ليلهم بالرحيل قوس قزح وأناشيد وتجاهلونا ,لقد زرعناهم حين انتهى اشتعال الحروب, ووضعنا ما استطعنا فيهم من خجل وجمال, ورتلنا بآذانهم ما يرتضيه الرب, فلماذا تسافر الى تلك اللوحات وتهجرني, انا الأب وأنا الأشتعال, ليس لك الا أن تطمئن فبعدك ليس الا الجراحات ياعراق. كان امجد كويش قد سرق من سحب العراق أربعين لوحة مطرت كلها في امستردام ,وكل قطرة تصرخ عراق,عراق ,عراق,حتى تبللت حدقات الميلاد وبابا نوئيل ,ولم يبق للكلمات من صوت. لماذا يا أمجد كويش تعيد سرد حكاية العراق بعد أن غادرتنا الذاكرة وغفونا على الجراح.. هل تستنهض الموتى؟؟؟ أم تود ان تنثر العشق العراقي في المهجر؟ كيف لك ان تجلب بغداد الى امستردام بعد ان غادرها الحكماء والعشاق؟ وكيف لذلك العويل الذي يملأ الأزقة والصدور الثكالى؟ هل حضر معك لتتلون به تلك اللوحات؟ وهل هذا العويل يا أمجد هو الذي سيضيء الليل؟ كانت اربعين لوحة تتطرز بها جدران المعبد وسط امستردام, وتلك الموسيقى لقطرات المطر تقودني بصحبة صالح الربيعي وسجاد الشطري لذلك البهاء العراقي الذي يسطو على المكان ويأسره.. لذلك المعرض التشكيلي الذي حلقت فيه ارواح الاف الشهداء, كانت اللوحات لستة عشر فنانا شابا عراقيا تحدوا مصادرة الحياة، بعثوا بلوحاتهم الى امستردام وبقوا في بغداد,علهم يجدون املا لصياغة خيوط شمس للعراق الجديد، من خلال اساليبهم الفنية بدءا بالكلاسيكية والانطباعية والتكعيبية والسريالية و التجريدية.. وحتى المدرسة الوحشية التي خلفتها الحروب. منذ الخطوة الأولى التي وضعناها في المعرض,قادتنا شحنات روحية متوقدة ,استنتجنا منها أنهم قد بلغوا ذروة التعبير عن الهم الأنساني العراقي من خلال نقل انفعالاتهم المتوثبة وامساكهم بالصور العصية التي تهز العاطفة الأنسانية, كونهم قد عاشوا تجربة انسانية منفردة, بتلوين آلامها, فقد اصبحت مخيلتهم حبلى بالكثير من الصورالتي تميز بصمتهم الخاصة والتي هي عبارة عن ولادة الحياة اليومية للعراق اليوم, وقد ابرزوا كل ذلك عبر الأشكال والخطوط والألوان وكل التراكيب التي اوحت بها لوحاتهم... كانت بصمات غادة العاني, وشيرين جمعة , وفوزي جعفر, واسعد الصغير, وعلي فاضل, وعلي كاظم, وبسام زكي, وحليم قاسم, وميلاد حامد, ونبيل علي , وحيدر القره غولي, وحيدر مدلول, ومهند محمد, ومحمد القاسم, ورشيد عكار, وزياد غازي, والرقم السابع عشر هو امجد كويش الذي انحنت له المسافات, لتطأ أقدامه امستردام وليتكفل بتلك الأرواح التي رسمت على هذه اللوحات من قبل اصدقائه المبدعين العراقيين الشباب, ليتحف بها سماء هولندا, وليقولوا للعالم اجمع انهم يرسمون مآقيهم وارواحهم المهددة على تلك اللوحات والتي من خلالها يتطلعون لعالم اجمل وأفضل. هؤلاء الفنانين الشباب ولدوا بأجمعهم في زمن الحرب ,ونشأوا في زمن الحصار, وانبنت اجسادهم على العوز والحرمان وسوء التغذية والسجون وعصابات الدكتاتورية.. ورغم هذا كله درسوا الجمال وعشقوه ليرسموا في زمن الأنفجارات ,زمن ضياع الذين غادروهم قبل لحظات, بعد ان استنطقوا الأبعاد الجمالية لتجاربهم الخاصة, وبعد ان صقلوا الذاكرة بكبار فناني العالم ,امثال أميل نولده, وماكس بيخشتاين, وأدوار مونش, ومن خلال المشاهدات اليومية المتكررة لما يحصل في العراق اليوم ,وما تحتويه هذه المشاهدات من بذور انفعالية خلاقة, محملة بأبعاد جمالية,حاولوا من خلالها الأفلات من الواقع الحياتي, وتشكيل عالمهم الخاص, من خلال تشكيل افكار متعارضة, ومحاولة الخوض بمواضيع غير مكررة, وبتقنية رائعة, حيث انهم اتخذوا من حركة الحياة اليومية ونبضها اليومي تلك الثيمات التي اسسوا عليها لوحاتهم
)) تحت عنوان (( بغداد في امستردام (( يقام المعرض بتعاون مع منظمة ايدة للفنون ومنظمة امنستي الدولية وعلى قاعة منطمة العفو الدولية في هولندا للفترة من 27-11 الى غاية 10-1 ))
سعد عزيز دحام
عضو رابطة بابل للكتاب والفنانين في هولندا عن موقع ادب فن
|