الانبهار باللون في عالم التشكيلية السعودية سامية خاشقجي

المقاله تحت باب  مقالات
في 
07/12/2008 06:00 AM
GMT




متعة التخيل تسكن الرمز


الرؤية الجمالية هي مشفرة الرؤية والكشف وافتراض وشاعرية ما سنشاهده وندونه عن عالم الفنانة التشكيلية السعودية (( سامية خاشقجي )).

عالم مبهور في لونه... بسياحة تكويناته الفضائية المليئة بمشاعر لا تحصي في البحث عن الجهة المثالية التي ينبغي أن تأوي إليها روح الفن، هناك حيث يدرك الرائي في تبادل الأمكنة صيرورة الحلم الذي دفعت الريشة لتسرد وعي اللون في مخيلة العقل ولتنجب شيئا من فنتازيا أمكنة ترتبط ذهنياً بشجن الرؤية والثبوت لعدسة العين وهي تخزن المشاهدة الكونية لما يحدث لها في التأثير والمؤثر حيث يغلب علي مسحة الرومانس لعالم سامية خاشقجي انبهار بالسطوح المضيئة والفِكرات ( vegrats ) المصنوعة بتنويع الحلم ودهشته في يوتيبا تتخيلها العين بصعوبة وكأن خاشقجي تضفي شاعريتها بإيحاء من باطن خفي صير لموهبتها أن تجري سريعا لمسكنها وهناك تضع قدر موضوعاتها في فضاء حالم تتشتت فيه خيالات مبهورة تبحث عن معني حكاية أو ألفة الكتلة مع المكان وطبيعته ، فيما الأزمنة تشاهد سابحة في كل دقائقها في فضاء لاينتهي... فضاء تعتقده الفنانة خاشقجي انه عالمنا الحقيقي والثبات الذي تستقر إليه أشياء اللوحة وتعيش من اجله .

تأخذ الأنوثة برؤاها ووقائعها الحياتية التي لا تحصي حيزا لاينتهي من دلالة اللون وأسطرته عند الفنانة سامية خاشقجي.. وهي بهذا التنويع والمدرك تعي حجم الحلم وتؤسس لتكوين فضائي يرتبط بميثولوجيا المجتمع وتقاليده عن هذا الكائن ( الخصب والمقدس )... حواء التي خلقت رؤية الحدس المؤثر وظلت تشكل عصبا أساسيا في السير الحضاري للحياة أي كان اتجاهه ورغم مؤثر القسر وجدران الشرق بفصول أنظمته العسيرة اتجاه هذا الكائن الرقيق إلا إن الإناث المبدعات ظللن يطلقن صيحة البحث عن خلود مفردة الأنثي كما فعل جلجامش في بحثه عن زهرة الخلود، وخاشقجي ترينا في أعمالها بعضاً من هذه الأحاسيس وهي تصنع فنتازيا موضوعة بالغة الجمال في صنعة دلالة الإيحاء المعكوس بفضل تقنية الخطوط وأمكنة الكتل وفضاء اللون الممتلئ يشجن غروب محمر يدل علي تكاثف العاطفة وصناعة صيرورة لشئ ينبغي أن نضع فيه روح التقديس التي هو جدير بها عبر حكاية أو وقفة أو تخيل ، حيث تحاول الفنانة خاشقجي في كل موضوعاتها أن تجعل من الرمز نقطة رومانس تدفع متعة التخيل عن بحث ماهية الأشياء التي في داخل اللوحة وهي تكشف لنا عن أحلامها ورؤاها ونظرتها القادمة لكل ما تريد أن تنتجه أو تبدع فيه. .

إن روح المسحة الميثولوجية المزينة بإلأرث الحروفي الذي يضع دالة اللغة كشكل من الحواس التي تأمل بالوصول مع الكتلة والضوء إلي نقطة المراد تمثل وعيا تشكيلياً متقدما يقارن بوعي القصيدة عند الشاعر التي من دونها لن يكتمل فهم الغاية حتي لو كانت القصيدة مكتوبة بأحلي الأوزان، لهذا يُنظر إلي اللوحات المتشكلة بلون الأنوثة عند خاشقجي علي أنها قراءة لموروث من عتمة انتظار فضاء آخر أو أنها تلقي بظلال اللون الغروبي في مهجة التساؤل الدائم في بهجة اوسكار وايلد القائلة (( إن الرسم والعزف من أنامل الأنثي الرقيقة يقوداني إلي تخيل الفردوس )).

لا اتخيل كلام الإنكليزي وايلد فقط... بل إنني أتعقب خطوط الشخوص المثبتة في اللوحات التي أمامي كمن يتعقب نقطة ضوء لمعني يتمناه إذ تتحرك أشكال المكونات في أطياف فضاء تفترضه مسحة التخيل بين أنامل الفنانة وهي تضع كيان الأنثي في طيف التلوين لهاجس حكاية تتعمق في موروث بلدها وحضارته البدوية ـ الصحراوية بغياب شكل الوجه والملامح حيث تتقصد الفنانات السعوديات ذلك لعدم توضيح دالة الوجه لأن العمق يأتي من خلال روح التكوين وحركة الجسد وتفعيل اللون لينقل في إيقاع متقن وشفاف وتتطاير منه رومانسيات عطر البحث عن الشئ في عالم النساء اللائي أدركن معني وجودهن رغم ملابسات الذكورة العنيفة وقيود التقاليد.
روح الكلمات واللون
عالم سامية خاشقجي... عالم تفوح منه شاعرية تخيل ما نريد أن نصل إليه ونتمناه... ومناخات اللوحة تمسك سحريتها بثقافة ذاكرة الرسم... وسيكولوجياً نقرأ أعمال الفنانة خاشقجي علي إنها قدرة للمزاوجة بين روح الكلمة واللون... وكلاهما يصنعان وحدة موضوعية تهيئ ذاكرة لصناعة قصة ولكن بميثولوجيا المكان والمناخ والحس والثقافة والمعمار والرؤية في بعض أحيانها، فهي تفعل مافي الذات من رغبة .

تري إناثها منهمكات في السباحة في فضاء مخيلة رغباتهن من أجل اكتمال لحظة الوجود والأمل، نساء تتشكل أجسادهن بأزياء تقليدية هي في تصور الفنانة جزء من التصاق الموروث بأمومة الأنثي وانتمائها إلي المكان وطبيعته لكن البعد الجمالي للصورة يظهر فيما يريد هذا الفضاء المشغول بحركة منتظمة من خطوط تأتي مبشرة بولادة يوم آخر ومزاوجة الكثير من إشعاعات اللون المسائي علي أمل أن يفهم الناظر إن هذه الوجوه هي الحياة بحقيقتها مع كثير من الألم والأمل والحب... وكأنها - أي خاشقجي - تريد في مدرك وعيها أن تضع لذاكرتها حسا رسالياً تحاول أن تفجر فيه طاقة من يشاركها التصنيف الأبداعي الحر، وعليها أن تسلط النور علي بيتها وغرفتها ولحظة الحلم لديها وهي ما تفعله في رؤاها المرسومة علي اللوحات بتعابير تخضع لأكثر من قراءة تتداخل فيها مسوحات التكنيك القوي وانعكاسات الفكرة بمدلولها الحضاري والاجتماعي والتربوي وحتي النفسي .

وإزاء هذه الرؤية التي تفضل خاشقجي عكسها في إبداعها التشكيلي تصر علي قولها بان هذه الرؤي هي وليدة المكان وصيرورته كما تحدثت به في حوارها هنا ب
الي مجلة (( عربيات )) بقولها :
((تجذبني الأعمال التي تكون المرأة محورها كالأمومة وغيرها، وبشكل عام إذا لم تحركني اللوحة بموضوعها أو فكرتها أو ألوانها لايمكن أن أقف أمامها... ولا تستهويني الأعمال الغامضة أو الحزينة لأنني أري أن الفن لابد أن يضيف بهجة وإيجابية علي الحياة بألوانه ومواضيعه... وهذه بالطبع وجهة نظر شخصية ويبقي لكل فنان حرية التعبير بطريقته في أعماله الفنية ليعكس البهجة أو الحزن شريطة أن يكون التعبير صادقاً ليصل للمتلقي )).

في حديث الفنانة نقرا هاجس روح اللوحة وما يعكسه اللون... وبالرغم من هذا لا تجد في معني الكلام نسبية ثابتة لأنك في غور البحث عن ماهية شجن شخوص لوحات خاشقجي تجد الكثير من معاكسات الحوار حيث تفيض اشراقة الكائن ولكن الأفق الذي ينظر إليه يلوح بغموض وضع اجتماعي أو إنساني وهي بذلك ربما تلتقي مع هاجس الرسائل عند فان كوخ وهو يوضح لتلك المرآة التي أسرته دون أن تعلم عدا إعجابها بأذنيه الكبيرتين : مهما يكن ففهم دالة الجمال ومشاعر بواطنه تبقي مسالة نسبية لأن اللوحة في أحيان كثيرة تنطق عكس ما ينطقه صانعها لأنها وقت جلوسها علي كرسي الحائط تذهب مخيلتها إلي مخيلة الناظر وليس إلي مخيلة الرسام... نحن نودع أعمالنا بمجرد تعليقها في بهو الرجل المقتني أو حائط جاليري متعهد شراء اللوحات .
 
أرجوحة وزقزقة

تبدو الفنانة خاشقجي بسيطة في تعبيرها عن الموهبة... لكن عالمها لا يبدو كما تصرح هي، إن الولوج في صفاء المرئي المصنوع بهندسة متقنة بشكل روحي ومدفوع إلي شجن التخصص في تناول الموضوع يريك عمل حرفي، تخصصي لذاكرة حية ومتفقهة لحاجة اللون كي يصنع غايته ورغبته في التعبيرعن مكنون قلبه، لهذا فسامية خاشقجي تحاول أن تضع شيئا من التجريد في غياب الملامح ولكنها في اللون تظلل الغاية والمعني وكأنها تريد أن تلتقي مع فكرة غاستون باشلار الجمالية القائلة (( في اللون نوصل قضايانا وأحلامنا ورغبة التوفيق بين المكان والزمان لنصنع يوما هادئا ليس فيه سوي أرجوحة وزقزقة عصافير )) .

ولأن هذا اليوم علي المستوي الاجتماعي يكون مستحيلاً تأخذ اللوحة علي عاتقها رغبة تحقيق شيئاً منه لهذا تري لوحاتها ترنو إلي فضاء المثالية والقيم العالية في ربط الموروث
وفلكلوره بالحياة عموماً... ولأنها تمتلك فقها أكاديمياً لزوايا النظر والسطوح والمستقيمات التي تهندس للشكل روحه الجمالية تراها في اللوحة تهندس نسب شخوصها وتربطها بدالة الموروث وزخرفته وتراثه اللغوي والحرفي ليصير في فهم لوحة سامية خاشقجي موضوعاً متنامياً يبحث عن الحياة القادمة بجمالية اللون وكلمات الريشة وهي تتحسس المكان وبيئته ومستوي علاقاته الاجتماعية والثقافية لتصل بالنتيجة إلي ما تعتقده تجربة تكملُ الهاجس الرسالي الذي ولدت من اجله وتعلمت واستفادة من تنوع تجاربها الحياتية والمهنية عبر أمكنة عيش عديدة ولكنها تعتقد إن الموهبة التي تعتمد علي مكان الولادة وهاجسه العميق هي الموهبة الأصيلة : .

وعلي هذه الفهم تقول خاشقجي في ذات الحوار هنا بمجلة "عربيات" :

الاحتكاك مع شعوب وثقافات مختلفة أثري شخصيتي وانعكس ذلك الثراء علي رؤيتي وفني.... علي الصعيد الشخصي تعلمت أن أحترم الثقافات وأنتمي للمكان الذي أعيش فيه بكل حواسي ومن ذلك المنطلق كانت ريشتي تتحرك علي اللوحات لتسرد قصتي مع المكان الذي أستوحي منه أعمالي.... ودائما تجدين الطبيعة هي الموضوع الذي يفرض نفسه علي لوحاتي وقد كان ذلك محل انتقاد لي عندما أقمت معرضي الشخصي الأول في جدة لأن النقاد شعروا بأن الأعمال مختلفة عما اعتادوا عليه من أعمال تراثية مستوحاة من البيئة السعودية ولم يكن ذلك النقد سليماً ولا موضوعياً لأنه أراد أن يعزلني ويعزل المتلقي عن تجربتي وعلاقتي بالأماكن التي عشت فيها وتفاعلت معها.... لكن بعد عودتي إلي أرض الوطن بدأت ريشتي تلقائيا تستمد حركتها من المكان والتراث والبيئة السعودية .
تري خاشقجي في الطبيعة الممتزجة مع الحس التراثي عبر هيكل أنثي تنتصب باتجاه حلم ما تعلقه في فضاء اللوحة لكنه لا يري... تري في ذلك عمقا لرؤيا الفن ليكون رسالة حياتية تقودنا إلي فهم وتوعية الآخر بدلالة ما نهدف إليه . وتتميز أعمالها برقاد كوني اتجاه فكرة أن يكون اللون "مؤسطراً" للمكان ومؤرخا لروحه التي تجعل من الطبيعة وجمالها ملاذا لكشف رغبات الباطن وهي تفتعل الموضوع بجدية رسم الهاجس الإنساني وتحويله إلي قيمة معنوية ومادية تهدف إلي تفعيل دور الأنثي داخل المنظومة الحياتية من خلال تسليط الضوء علي رغبتها بالظهور إلي الحياة المبدعة كما تظهره حسية الشكل وحركته في لوحات خاشقجي، عالما يسبح في ميتافيزيقيات التخيل والرغبة بتحقيق شيء .

تقنيا، عالم الفنانة يشتغل علي حركات الإيماء... وكل كتلة ، واغلبها تجسيد ( لقامة أنثي ) تبدو وهي تمارس طقساً حركياً يقترب من الرقص... ولكنه كما يبدو في اللوحة رقصاً تعبيرياً، وغامضاً، وكأنه دلالة لرغبة في الذهاب إلي ما يعتقده الفن تحرراً وبحثاً عن الحياة بشكلها المنشود... لهذا تري في تقنية اللوحة روح وخيال الأنثي المرسومة بحجم هائل إذ ليس هناك سوي زخرفات المكان الشرقي وهي حاجة بيئية تلازم المجلس والبيت ومكان القيلولة وتضعها خاشقجي في تفاصيل لوحاتها لتكشف لنا سر تقنية أن تتحاور الريشة مع المكان بمجوداتها الأولية لتديم اللون ووجوده الأسطوري وليصبح الفن لسان حال الحلم الإنساني الحقيقي وكل ما تدرجه خاشقجي علي لوحاتها هو تفاصيل لحلم مبعثر سيجتمع ذات يوم في قمة نضوج مرحلة ما في حياتها الفنية لنري في اللون حكاية لشعائر هي تفاصيل الحياة التي تعيشها والتي عادت إليها بعد غربة طويلة لتجسد إرهاصاتها ورغباتها وأحلامها عبر اللوحة ولتحول صمت تلك الإيماءات القابعة وراء جدران التقاليد إلي الصوت التشكيلي المسموع والمدرك من خلال جمالية الفكرة والخطوط واللون لنحصل علي مرحلة لأنوثة لون ينعكس في رغباته وتفاصيله عن هواجس حياة تريد فيها الفنانة أن تمضي مع رسالة اعتنقت مبادئها منذ ثقافة الطفولة والصبا والشباب .

وهكذا تتشكل شاعرية البراءة من أسطرة اللون وهو يبعث في عالم الافتراض موضوعات تؤرخ لهاجس أنوثة زمن من الترقب والحنين والالتصاق بالموروث وطبيعته المشرقية البسيطة والأصيلة والتي تتوارث الزخرف والسجاد والحرف وهو يبحث عن أحلام مدن وقلوب وليال ملاح أدرك فيه اللون طبيعة أن يكون الشكل في مستوي تدرج الحلم في قلب إنسانة مثل سامية خاشقجي وهي تبني من أطياف اللون وجوداً حالما يعكس نياة حسنة وهواء طلق تفتح فيه للمرأة وأشياء الكون الأخري آفاق الذهاب بعيدا إلي حيث تحلم إنسانيتنا بفن نبيل يقودنا إلي معني أن نكون بشر نحلم ونحب ونبدع دون خوف وأنانية ووازع شر .
عالم خاشقجي المشيد ببساطة اللون وتقنية الشكل يظل مع حرف أنوثة الفن يشكل علامة طيبة في التأريخ التشكيلي للمملكة ويظل هذا النوع من المبدعات يمثلن صوتا جديدا يقفز علي سور عزلة النساء لتصنع من اللوحة وهي تتحدث بجمال الوجود وحلم الآخر رسالة موجهة إلي العالم تفصح في جماليتها وحسن تصميمها ومحتواها الإبداعي الكبير عن هاجس إن المرأة ليست حبيسة مطبخ وغرفة بل إن المشاركة وتطوير حضارة البلاد لا يقتصر علي الذكور أيضا... هي تفعل مثلما يفعلون هم .

لهذا نري في إعمال سامية خاشقجي محتوي مثل هذه الرسائل واضح تماما