لمى حوراني في معرضها الأخير في نيويورك

المقاله تحت باب  أخبار و متابعات
في 
27/07/2008 06:00 AM
GMT




تبع لمى حوراني منذ حوالي سبع سنوات إحساسها الثقافي بحضارات سبقتها بكثير من الوقت. فهي على عكس المصممين الآخرين في عالم المجوهرات، تقتلع تصاميمها من الآثار المتروكة على جدران الكهوف منذ آلاف السنين، أو الأسماك المتجمدة داخل الصخور المترامية حول ضفاف البحر الميت. في معرضها الأخير في نيويورك حققت حوراني ما كانت تصبو إليه، العرض بدأ وكان الاهتمام من الصحافة الأميركية وأيضاً من المهتمين بتصميم المجوهرات. إنها تستعمل الفضة مادة أساسية الى جانب الذهب والأحجار الكريمة، الفضة التي هي معدن يرتبط ارتباطا وثيقا بالحضارة العربية والأحجار التي هي أيضاً صنو المعدن عند العرب. تقول لمى إن الرسوم التي تستخدمها (مستوحاة من الرسوم التي تركتها حضارات كبيرة كانت تعيش في الأردن قبل آلاف السنين) وهذا الأمر يعتبر الإرث الثقافي للمنطقة العربية بكاملها وليس للأردن وحده، إذ أن الحضارة العربية، التي ما تزال مستمرة ولو بزخم أقل منذ ذلك الحين، تركت، على ما تفيد به هذه المصممة الشابة، آثاراً كبيرة على غيرها من حضارات ذلك الزمن، حيث نجد أن رسوماً مشابهة وجدت في المكسيك وفرنسا وإسبانيا ومعظم دول شرق أوروبا وصولا الى الصين ودول شرق آسيا، فالحضارة العربية في ذلك الوقت ولغاية اليوم أثرت في حضارات كثيرة بسبب أن الموقع الجغرافي للحضارة العربية كان ولم يزل يشكل نقطة الالتقاء والجمع بين الحضارات المتباعدة ما بين الشرق والغرب. على هذا فإن الإرث الحضاري لمجموعة من الحضارات المختلفة يدل على أن إنسان ذلك الوقت كان يشعر ويفكر بالأشياء بطريقة متشابهة، إذا افترضنا عدم تأثير أي حضارة في الأخرى، ولذلك فإن جوهر أي حضارة هو إنسانيتها، فاليوم ننظر الى تلك الرسوم على أنها إرث إنساني صرف وليس إرث حضارة بعينها. لكن رسومات لمى غالباً، وفي معظمها، ليست متطابقة مع تلك الرسوم، ما يعني أنها نسجت طريقة تعبيرية تؤمن لها علاقة رمزية مع الإرث الثقافي ولا تلغي معاصرتها، إذ تقول «لقد بدأت العمل على هذا الموضوع قبل ثمانية أعوام واليوم بعد هذه الفترة بدأت أتلمس طريقتي في الرسم وفي الأشكال التي أبتكرها، والتي أصبحت تمثل هوية لي ولأعمالي، إذ أصبحت أكثر عفوية وأكثر تماسكاً مما كانت عليه في البداية».
يعتمد عمل لمى حوراني على الخلط ما بين الأحجار الريمة كقيمة فنية والمعادن النفيسة كالفضة والذهب. ورغم أن أعمالاً كثيرة في هذا المضمار تأخذ هذا المنحى، فإن قيمة العمل في النهاية تبقى في الأسلوب وفي شكل التصميم الذي يعطي هذه المعادن وكذلك الأحجار قيمة ثقافية مضافة، «العنصر الأهم في أعمالي هو القطع المعدنية المصنوعة يدوياً، وغالبا ما تكون من الفضة. فالفضة مرتبطة بتاريخنا وحضارتنا في المشرق العربي والجزيرة العربية منذ مئات السنين». أما الأحجار فتقول بأنها «تأتي في المركز الثاني من حيث الأهمية في التصميم النهائي. مع ذلك فإن بعض الأحجار توحي لي دوماً بتصاميم جديدة». لكن للأحجار قصصا وعلاقات خيالية بمعتقدات كثيرة وبأساطير، وثمة الكثير من النظريات التي تعطي للأحجار قيمة تتجاوز قيمتها الفنية مثل التأثيرات بالأبراج وعالم الفلك. وهذه المعتقدات ليست وليدة نظريات مستجدة وحديثة، بل هي قديمة قدم الرسوم التي تستلهم منها رسومها وتصاميمها. لكنها، رغم أنها لا تنفي هذا الواقع تقول: «أحاول قدر الإمكان تجنب موضوع الأبراج والأحجار والربط بينهما، وتأثير الأحجار على النفسية أو الإشعاعات الإيجابية والسلبية على كل شخص». ذلك أن هذا المفهوم «قد يؤثر على العفوية التي أحرص على أن يتسم بها عملي، فالأحجار بالنسبة لي هي ألوان أو جزء من العمل الفني، لذلك فإن المعدن في معظم أعمالي هو الطاغي، وهو الذي يحدد التفاصيل الداخلية الأخرى لكل قطعة على حدة. مع هذا فأنا أفضل من الأحجار، الفيروز واللؤلؤ، فالفيروز يملك لونا جميلا جداً وقويا ويرتبط بتراثنا العربي ارتباطاً كبيراً، كما أنه يمثل تناقضاً جذاباً حين يتم وضعه الى جانب أحجار أخرى. أما اللؤلؤ فهو حجر حيادي ويتناسب مع كل الناس، وله قدرة خارقة على الاندماج مع أحجار أخرى وألوان متدرجة أخرى أيضاً». لم تكتف هذه المصممة بالأردن كونه بلدها ومجال عملها، إنما نجدها اليوم تجوب أنحاء العالم وتقيم معارض في البلدان العربية وفي الولايات المتحدة، خاصة نيويورك، حيث سوق المجوهرات مزدهرة جداً من ناحية، وحيث هناك تقدير كبير للأعمال الفنية. ففي معرضها الأخير في نيويورك، لاقت أعمالها إقبالا كبيراً وتقديراً جيداً من الصحافة الأميركية. وهي تقول عن هذا الجانب: «إن العمل في بلدي يعني لي الكثير فأنا أردنية وأنتمي الى ثقافة البلد التي هي جزء من الثقافة العربية بكاملها، لكن الخروج الى الخارج هدفه توحيد أشخاص من ثقافات مختلفة حول ثقافة واحدة تلمس جوهر الإنسان والجوانب الأكثر إشراقاً في الحضارة الإنسانية بعيداً عن الأيديولوجيا والصراعات القائمة حولها في العالم، لذلك فإن استراتيجية إقامة المعارض هدفها الاجتماع حول أنماط ثقافية لا تلغي الآخرين وإنما تجعلهم شركاء لنا في عملية نقاش لا تفرق بين الأذواق، بل تجمع الجميع حول لغة واحدة ترتقي بالإنسان وتنتشله مما هو غارق به». أما الإقبال على المعارض التي تقيمها فتفسره بأنه «نابع من كون الإنسان واحدا في كل مكان، هو يحلم بالسلام وبتذوق الجمال وأعمالي لديها قيمة فنية وأيضاً لديها رسالة واضحة نحو السلام والسكينة التي لا يتحقق الإنسان من دونهما».