من أعمال المعرض (علي علوش)

المقاله تحت باب  معارض تشكيلية
في 
16/07/2008 06:00 AM
GMT



يذكّرني معرض الفنانة كيكي بوكاسا الذي حمل عنوان »ألزهايمر« بحوار أجريته مع الباحثة والفنانة اللبنانية المقيمة في لوزان (سويسرا) شريفة الحسيني منذ ثلاث سنوات، التي لديها محترف للعلاج بالفن، تستقبل فيه مرضى الألزهايمر ومرضى آخرين. لا يحضر حوار الحسيني بسبب تلاقي العنوانين، إذ إن بوكاســا أرادت في معرضها هذا تصوير مرض الألزهايمر بالألوان والخطوط، في حين عملت الحسيني على توجيه المرضى ليرسموا حتى تساعدهم في التعبير عما يختزنونه من ذاكرة، لا سيما تلك التي أطلقت عليها »ذاكرة الجسد«.
عندما دخلت إلى معـرض بوكاسا، ورأيت اللوحات المعلقة، وجدت نفسي أمام رســوم تشــبه رسماً مقطعياً مجــهرياً لمشهد جلدي، ما أثار لديّ ســؤالاً حول علاقة الألزهايمر الذي يصيب الدماغ بالجلد. لكن قــبل الولوج أكثر في مثل هذه العــلاقة، ما علينا إلا الوقـوف أمام ما تـضمنه المعرض.
٢٥ لوحة يحتل الحبر المساحة الأساسية منها، إلى جانب بعض الزيت والباستيل، يستمر تعليقها في غاليري »ماستر بياس« الجديدة (الحمراء، شارع أنطوان الجميل، قرب الكومودور)، لغــاية ١٩ الجاري. ترتكز لوحات المــعرض على ما تخيلته من حالة جَدَّة الفنانة المريضة بالألزهايمر، وما أوحته لها الصور الشعاعية أو المغناطيسية التي تشرّح المرض.
أرض معركة
كانت الجدة روزي، في بداية المرض، تحدّث حفيدتها كيكي عن بداية اشتباك الأمــور في ذاكرتها، إلا أن هذا الاشتباك تحوّل، في ما بعد، إلى حرب مدمّرة لخـلايا الذاكرة، وقد بدت نتائج هذه الحرب في أعمال المعرض على شكل خلايا ممزقة أحياناً، أو أرض معركة ملطخة بالبقايا. هذا ما تشير إليه الحركة السريعة لرسوم وضربات ريشة الفنانة، التي كأنها تنقل إلينا عنف الوليمة التي أقامها المرض في دماغ الجدة. ولهذه الغاية، لم تمسح الفنانة حبرها بهـدوء أو برودة أعصــاب، بل راحت تضرب الحبر على الورق بعنف أو تفجّر سيلانه وتوزّع حضوره على الورق أو القماش، وأحياناً نراها تهتم بتصوير الخلايا المريضة المنهكة، المرتخية المستسلمة التي تبدو فريسة لأنياب المرض.
أرض المعركة تبدو لنا بالأسود والأحمر في كــثير من الأحــيان، وإن نرى ألواناً أخرى كالأزرق والأخضر وسواهما. ولا بأس أن تحوّل الفنانة صـوغ الألوان إلى لعبة بصرية، تفـلت من كونها تصوّر واقعاً عيــانياً أو حالة مرضية، لتخدم بالتالي اللعبة الفنية فتوفق بين الموضوع والرؤى الفنية.
الفن مرض؟
استطاعت الفنانة هنا أن تطوّع الحبر لخدمة تشكيلاتها، في حين بدت اللوحات الزيتية أقل قدرة على التعبير عن الموضوع وخدمته، وبدت سماكة المادة اللونية أقل ليونة وسيولة خدمة للموضوع، لا بل إن بعض الزيتيات ولوحات الباستيل خرج على الموضوع العام للمعرض، بل خرج من تحت خيمة العنوان الذي تكرر في اللوحات وهو »ألزهايمر«، لتحمل عنوان »بلا عنوان«.
لم تفكر الفنانة بوكاسا في تصوير مقطع مجهري للجلد، لكن الصدفة شاءت أن يكون المشهد أقرب إلى ذلك، فـ»ذاكرة الجسد« التي تحدثت عنها شريفة الحسيني في الحوار الآنف الذكر تكمن في الجلد، على أن هذه الذاكرة، التي تختزن التجارب الحياتية، لا يستطيع المرض تدميرها. وتذهب الحسيني أكثر من ذلك، حين تكشف عن أن الأبحاث الحديثة لعلم الأجـنة أفادت أن للجلد صلة عضوية بالدماغ منذ اللحظة الأولى للحياة، أي منذ الأسبوع الثالث، حسب الحسيني.
معرض يجمع هذه المرة بين المرض والفن، وإن كان البعض يعتبر أحياناً أن الفن نفسه حالة مرضية ندخلها بملء إرادتنا.