فاز في القاهرة بجائزة الدولة التقديرية للفنون

المقاله تحت باب  معارض تشكيلية
في 
01/07/2008 06:00 AM
GMT



عمل بعنوان «أفريقيا»لوحاته في شخوصها، لا تختلف من حيث الشكل والحركة والاختزال عما هي عليه في أعماله النحتية. اختزال يحاكي المضمون، وتجريد يظهر أسلوباً باحثاً عن سطوع الفكرة. وعلى رغم أنّ كنية «النحات» اقترنت باسمه منذ زمن بعيد، إلا أنّ لوحاته تنفرد بخصوصية تعبيرية تحاكي أعمال العديد من الفنانين العالميين وطرق تنفيذها. فكما هي مجسماته في حوارها مع الفراغ المحيط، غالباً ما نجد الحوار عينه متماهياً مع فلسفة اللون في لوحاته. وهذه الأخيرة طالما صوّرت قيماً إنسانية بتعبيرية لا تخلو من رغبة التساؤل. ليست جائزة الدولة التقديرية للفنون التي حصل عليها أخيراً في القاهرة، أولى الجوائز التي نالها الفنان المصري صبحي جرجس (1929). إذ إنّه حاز «ميدالية البينالي الدولي للرياضة البدنية في الفنون» في إسبانيا عام 1973، والجائزة الأولى (عن فئة النحت) لـ«بينالي الإسكندرية في الدورة 18» ثم جائزة لجنة التحكيم في «بينالي القاهرة الدولي الخامس» عام 1994.
على رغم أنّ صبحي جرجس تخرّج من المدرسة الفنية الإيطالية، حيث حصل على دبلوم من أكاديمية الفنون الجميلة في فلورنسا عام 1964، إلا أنّ المتابع لأعماله النحتية كثيراً ما يتلمس محاكاة لأعمال النحّات الإنكليزي هنري مور (1898 ــــ 1986). يبدو ذلك جلياً لدى معاينة تكوين الوجوه وحجم الرأس والاستطالة في أعماله. وعن هذا، قال جرجس في أحد حواراته الصحافية «أحببت أعمال المثّال هنري مور والإيطالي مارينو ماريني وغيرهما، إذ وجدت جديةً وقدراً كبيراً من الإنسانية في أعمالهما. وقد جذبتني خصوصاً أعمال مور مثل جميع فنّاني العالم وتأثرت مثلهم بهذا المثال العظيم».
في معرضه الأخير الذي أقيم العام المنصرم في متحف محمود خليل في القاهرة، فاجأ جرجس جمهوره بعرض أعماله النحتية إلى جانب أعمال تصويرية ضمت العديد من اللوحات، كأنّه يقدم للزائر خلاصة تجربته الفنية التي امتدت لأكثر من نصف قرن. كانت لوحاته التي تضمّنت قصص الإنسان وأمنياته، تحاكي أعماله النحتية... إلى درجة تصور الزائر أنّها تتقارب مع روح تلك الأعمال، تماماً كما تتقارب روح الإنسان مع صورته. وعن ذلك المعرض قال الفنان أحمد فؤاد سليم المشرف العام على متحف الفن المصري الحديث «نحسّ بالإهانة حين يسخر أحد العابرين من صورة المدينة لمحمود سعيد مثلاً، أو من منحوتة عروس النيل الرائعة لمختار، إذْ إن تلك السخرية تُهيننا كأننا نملك رأياً لم نعبر عنه، أو كما لو أن أعمال أولئك الفنانين تُعلمنا شيئاً عن معنى وجودنا حين تُخْدش. وهذا ما يخلّفه فينا صبحي جرجس لدى معاينة تماثيله المعروضة. إذْ ينطوي عمله على «جماعية» تشهد عليه، أي إنّ كل واحد منا يملك خصوصية وشراكة مع منحوتات صبحي جرجس كلما التقاها».
حصل صبحي جرجس على جائزة الدولة التقديرية للفنون هذا العام، بعد ترشيحه ضمن قائمة ضمت 13 فناناً تشكيلياً، من بينهم الفنان أحمد نوار وأحمد عبد الوهاب وسامي رافع الذي كان مرشحاً قوياً للجائزة، ومريم عبد العليم ومحمد طه حسين وغيرهم. والجوائز لها قيمتها الخاصة في عالمنا رغم معارضة بعضهم لهذا الرأي، معتبرين أنّه ينبغي للدولة ألا تجعل المبدع يلهث وراء الجوائز وقيمتها المادية، لتحسين أوضاعه وسد ثغرات حياتية تعرقل مسيرته الإبداعية... إلا أنّ حصول جرجس على جائزة الدولة وهو على مشارف الثمانين، وبعد رحلة وخبرة فنية طويلة، يعد مكسباً ودعماً معنوياً مهماً، بعيداً عن قيمتها المادية. فكم كان جميلاً لو تسلّم الفنان سعد أردش الذي رحل عن عالمنا أخيراً، وكذلك الراحل رجاء النقاش، شخصياً جائزتهما التي حصلا عليها في المناسبة نفسها التي حصل ضمنها الفنان صبحي جرجس على جائزته؟ فمنذ زمن بعيد وبلداننا لا تنتبه لمبدعيها إلا بعد موتهم.