أشكال وألوان عند «جانين ربيز» |
المقاله تحت باب معارض تشكيلية إذا كان لا بدّ من قاسم مشترك يجمع بين التجارب المتباعدة التي يقدّمها هذا المعرض الجماعي في بيروت، فهو انتماء الفنانين الخمسة إلى جيل تشكيلي جديد في لبنان وسوريا. «ألوان وخطوط» ترشح بمناخات خاصة وأمزجة مختلفة .
المعارض الجماعية غالباً ما تُبرز جانباً محدوداً من شغل الرسامين المشاركين فيها. كما أنّها لا تضع أعمال كل واحد منهم داخل مزاج أو تصور متكامل. يشارك كل رسام بعدد معين من الأعمال. نادراً ما يكون جمع هؤلاء في معرض واحد قائماً على بيئات أو طموحات فنية متقاربة. لعل هذه المعادلة تتضمن فكرة أنّه من المبكر الرهان على بعض المشاركين في معارض فردية خاصة بهم. هذه بعض الهواجس التي تخطر في بال المشاهد وهو يتجول في معرض «خطوط وألوان» الذي يقام في «غاليري جانين ربيز» ويشارك فيه أربعة رسامين لبنانيين هم: رؤوف رفاعي (8 لوحات)، شارل خوري (19 لوحة)، منصور الهبر (9 لوحات)، نبيل مكارم (7 لوحات). ورسام سوري هو أديب فتال (8 لوحات).
بالتدريج، تنجلي هذه الهواجس أو تُوضع جانباً، وخصوصاً أنّ الرسامين يقدّمون عوالم مختلفة. نحن إذاً أمام خمسة معارض فردية صغيرة داخل المعرض الجماعي الكبير. إنّه حل معقول لاستقبال هذه العوالم منفصلة عن بعضها بعضاً، رغم اختلاطها لأسباب لها علاقة بالمساحة المتاحة داخل الغاليري. في أعمال شارل خوري (1966)، تسود المائيات الخاضعة لتدخلات وثرثرات موازية من الحبر الصيني. الحبر الأسود والبني يقوّي الخطوط، بينما المائيات الفاتحة تحاول استرداد تمددها وشرودها. لوحات من القياس الصغير. الأشكال موجودة فيها بقياس مناسب. وجوه وأدوات وكائنات وخطوط بكيفيات مختلفة. يظن المشاهد أنّ الأشكال تتكرر في كل اللوحات. السبب عائد إلى تشابه مساحاتها وألوانها وأحبارها. خوري الذي حصل على جائزة «مهرجان الخريف» هذه السنة (في متحف سرسق)، يرسم بمنطق الارتجال الذي يُملي على المخيلة ما تضيفه إلى اللوحة، وما تستبعده منها. ليس هناك تصور مسبق لنتيجة العمل طبعاً، لكن من الواضح أنّ الرسام على علاقة مهنية حميمة بما يفعله. إنه متصالح مع شغله. تصالح ينتقل سريعاً إلى المشاهد الذي يتراءى له أنّه يتفرج على لوحة واحدة. فكرة التصالح أو العالم المتشابه تنطبق على أعمال منصور الهبر (1970) الذي يعرض امرأة وحيدة ــــ وربما واحدة ــــ في كل أعماله. يسيطر مزاج الدراسة على شغله. نساؤه يعشن في وحدة تامة، يقرأن أو ينمن أو يصغين إلى وحدتهن ذاتها. مرسومات بخط واحد. يثخن أحياناً وينحف أحياناً. يصقل أو يخشوشن. الخط الذي بلون الصدأ البني والآجرّي، المرفق ببعض الألوان الخافتة المتناسبة مع الخط، يجعل اللوحات أعتق مما هي في الواقع. النساء يُذكّرن المُشاهد بغوستاف كليمت رغم أن الإيحاء الجنسي ــــ في حركة الجسم أو في الأعضاء ــــ ليس مستهدفاً في لوحات الهبر. الطبيعة الصامتة هي العالم الذي تتقاسمه أعمال رؤوف رفاعي (1954). لا يكرر رفاعي هذه الثيمة كما هي. علينا أن نتأمل أعماله ملياً، كي يتسنى لنا تصنيفها في خانة الطبيعة الصامتة. لا يهم أن نرى حواراً صعباً وقاسياً بين الإكريليك والفحم. ولا يهم أن نعاني قليلاً لنعرف أن الأشكال الموجودة هي فناجين وكؤوس وفاكهة وأزهار. الخطوط قليلة والألوان غير دسمة. بعض الخطوط متروكة بلا هدف محدد. الأشياء مرسومة وممحوة في آن. ثمة رغبة بجعلها مهملة، وغير واضحة المعالم. حتى حين يضيف أشخاصاً، يمسح الرسام ملامحهم بلون آخر. كأنه يتعمد «إفساد» اللوحة، لا المحو الجزئي لبعض مكوناتها. السوري أديب فتال (1962) يرسم منمنات. شغله أقرب إلى التطريز والزخرفة وطبائع الرسم على الأقمشة الشامية. ثمة نكهة إسلامية أو تراثية تلقي بظلها على اللوحات كلها. فنّ المنمنمة يتمخض هنا عن فضاءات عمرانية تاريخية ومدينية. هناك مشهدية تزيينية لحياة كاملة. نرى أولاً المساجد والكنائس والأبراج، القباب والمآذن بارزة أكثر بسبب ارتفاعها عن الأبنية الأخرى. الأبنية والفضاءات تذكّرنا بمدن عربية وإسلامية قديمة. تحالف الزخرفة مع المنمنمات يجعل حضور هذه النكهة قوياً وطبيعياً. المشارك الخامس نبيل مكارم (1981) يقدّم تجربة لافتة في طرافتها. الرسام الشاب المتخرج حديثاً يرسم حيوانات فقط. فنّ البورتريه يتحول في أعماله إلى اقتراح لا يخلو من وجاهة ومرح: لِمَ لا نرسم بورتريهات للحيوانات؟ متطلبات البورتريه وشروطه متوافرة هنا، وخصوصاً في لوحة «القرد». لعل الملامح شبه البشرية تجعل هذه اللوحة مقبولة أكثر لدى المشاهد. في اللوحات الأخرى، يرسم مكارم أسداً وفهداً وتمساحاً... هنا يبدو الأمر مختلفاً. ما نراه هو لوحات أقرب إلى صور فوتوغرافية لهذه الحيوانات. هي لوحات تذكرنا بإعلانات عن الأدغال والحياة البرية. طرافتها قد تثير رغبة بعض المقتنين لتعليقها في أمكنة محددة. المشاهد يكتشف ما هو أطرف من ذلك حين يعلم أنّ سبب انصراف الرسام إلى رسم الحيوانات عائد إلى كونه وُلد في أفريقيا (غابون)، وعاش هناك حتى عمر الـ15 سنة. في قراءة شاملة للمعرض، تمكن الإشارة إلى ميول وأمزجة مختلفة لدى المشاركين الخمسة. هناك مناخ أو عالم خاص بكل واحد منهم. لقد سبق أن رأينا أعمالاً لخوري والهبر ورفاعي. ثمة إمكان للحديث عن مسارات واستكمال طموحات وأبحاث لديهم. في المقابل، أديب فتال يعرض لأول مرة في بيروت. أما نبيل مكارم، فلا يزال يشارك في معارض جماعية، ولم يُقِم معرضاً فردياً بعد. |