المقاله تحت باب معارض تشكيلية في
01/07/2008 06:00 AM GMT
تتابع الفنانة سهى صباغ تجربتها التشكيلية بتوتر أعلى هذه المرة، توتر مصاب بعدوى الحالة الأمنية التي يعيشها لبنان منذ تموز العام 2006 حتى اليوم. إنها بكل بساطة حالة ما بعد الحرب، تظهر في اللوحات بشكل كابوسي في الكثير من الأحيان، في الوقت الذي تفسح فيه الفنانة لمرور البطولة، واستعراض الفروسية، والتماع الزعامة.
في اللوحات الثلاثين (بغالبية زيتية) التي عرضتها الفنانة في صالة «المدى للفنون والثقافة» (بيروت، شارع الحمراء)، لم نشاهد موضوعاً واحداً، يختصر في تحديات حرب تموز، إنما كان هذا الموضوع طاغياً، ليس بالضرورة من حيث عدد الأعمال التي ينصبّ فيها، إنما من خلال تميّز هذه اللوحات بالحجم الكبير، ما يتناسب وهول الحدث، أو الضجيج الذي أرادته الفنانة أن يحتل المساحات، بل يتناسب وقوة التعبير التي أرادتها لتتوازى وقوة الحدث. تتجه الصباغ في معرضها إلى تعبيرية عنيفة، أقرب إلى التعبيرية الألمانية، من خلال ما تقدمه من واقع غير طبيعي، واقع قلق، متناقض، ضاغط، مسكون بالكثير من السوريالية في تركيب العناصر الواقعية، فاللوحة عند صباغ ليست ساحة معركة، إنما ساحة لاختلاط الأخبار والوقائع، لتداخلها، فلا بأس أن تتحول اللوحة إلى حالة سردية، أو نص أدبي، نقرأ كلماته وحروفه خلف الصور والأشكال. إن الانفعالية التي تحرك بها الفنانة ريشتها، تجعلها سريعة الانتقال من شكل إلى آخر، وتجعل الحدث عندها يجر آخر، والحركة تتناسل إلى أخرى، وتستمر الحكاية، بل يلزم السرد، كي يكون أكثر سرعة وإفصاحاً المزيد من الخطية في تحديد الأشكال، وهذا ما لجأت إليه الفنانة، عندما حولت التلوين إلى رسم، بل حولت التصوير اللوني إلى نوع من الكاريكاتور. إنه أسلوب في التصعيد التعبيري وتوتير اللعبة الداخلية لدى صباغ، من دون أن يعني ذلك أنها لا تذهب في بعض المساحات إلى لونية مكثفة، بل إلى شيء من الوحشية في التلوين، إلا أن التبسيط هو الغالب، أعني تبسيط المادة اللونية، والتقشف فيها، وأحياناً الاستغناء عنها لمصلحة الخط، أعني الخط العريض. لا بد أن تلفتنا انفعالية الفنانة نفسها، عندما تتحول بعض اللوحات إلى روحية الملصق السياسي، فنشاهد إقحام رسم السيد حسن نصر الله في عدد من اللوحات، وتوزيع شكل الدراكولا الإسرائيلي على لوحات أخرى. إنها مواجهة مفضوحة تضع اللوحة في الإطار الفني المباشر، بل تجعلها أكثر ميلاً إلى الخطابية التي تأتي على حساب الناحية الإبداعية في اللوحة، وتبقي المشاهد عند السطح الخارجي للمعنى. ربما هذا هو مزاج سهى صباغ، التي تصوّر بمزاج خاص، متفلت وجريء وصدامي، وعلى قدر من الفجور والتفجّر والفجائعية، وما إلى ذلك من تعابير تترك الحرية على غاربها. إنه المزاج الذي لا يستمر بسوية أو بخطية واضحة، المزاج الذي ينقلب على كل شيء، وحتى على نفسه، فسهى نفسها تركن في زاوية من المعرض إلى طبيعة صامتة حتى الأزل، وفي زاوية أخرى إلى طبيعة رومنسية تتوتر حيناً وتهدأ حيناً آخر، ثم طبيعة الحرب التي لا تبقي ولا تذر، بل يتنقل فيها مصاص الدماء، والفارس السماوي النازل على حصان أبيض، ثم المقاتل الذي ينهب الارض والميركافا الإسرائيلية. تتحول اللوحة من مجرد خاطرة فنية بسيطة ساذجة مجانية كالطبيعة الصامتة، إلى مسرح تشتعل فيه نيران المعارك، بل عمل يطمح إلى الملحمية في إعطاء الفنانة صفة البطولة التاريخية للمعارك التي تصورها، وتضمين المواجهة صفة السرد المركب الذي يطول ويطول.
|