حسن جوني يفتتح غداً معرضه الجديد في صالة "ألوان" الصيفي ببيروت

المقاله تحت باب  معارض تشكيلية
في 
12/06/2008 06:00 AM
GMT



يقظان التقي يفتتح الفنان التشكيلي حسن جوني معرضه الجديد غداً الجمعة في صالة "ألوان" ـ الصيفي.

عودة بعد انقطاع منذ العام 2001 وكالعادة عودة متماسكة كثيفة ومتحركة وفعل عبور الى المدينة لفنان يعي دوره المديني ويعرف جيداً كيف يمسك بحلمه، كما باللون والتأليف ومشاطرة الواقع الإنساني بكل همومه وهواجسه وانتماءاته من خلال حلول أخرى لواقع جمالي برصانة أكاديمية.
وفياً لقيمه المحترفية يحرص حسن جوني على علاقة لوحته بالفضاءات الثقافية الإجمالية والثقافية المختلفة والمتباينة وكجزء من التحولات على المستويات كافة وفق الشروط الممسوكة تماماً في صناعة لوحة تشكيلية واستمرار البحث عن المدرك الجمالي بانفتاحه على الكثير من الأسئلة.

لغة في الذروة التعبيرية والتجريدية وحتى السوريالية في الزمان والمكان الذي يقيم فيه في محترفه العتيق في "المنارة" الذي يشبه الهيكل المقدس بموتيفاته الخام وحيطانه وشبابيكه كمادة فنية تلفة لكن غاية في الجمالية.
فضاء آخر ملتصق بعمود المنارة القديم المهجور وفي الحي المحاصر بقوى أمنية كأنه المنظر لمدينة تشبه لوحة غير منجزة ويبدو التاريخ المديني لبيروت كله غير كاف لإنجاز لوحة واحدة.
إنه المكان الذي يطل على البحر والذي يحدد الرؤيا والهواجس للاستناح في لوحة فيها المعاناة الإنسانية بأعماقها منذ أيام "زقاق البلاط" القديم أو "حيّ اللجا" الى مشهد اليوم والضمائر المرتبكة!
فنان موهوب جداً، يتعامل مع الواقع مع الألوان والنسب والموضوع بواقعية تعبيرية وأشياء أخرى تنساب في مدينة لونية متحررة من قيود الأكاديمية الصارمة.
"المستقبل" التقت حسن جوني في محترفه، وحاورته في كل الواقع الذي عاشه منذ طفولته الأولى الى تكوينه الفني وحول لوحته والواقع الذي حوله لتصوره الذاتي وما يعكسه من أجواء إنسانية، الى علاقة الرسم بالمكان، وبالحرب والمدينة والشعر، واللوحة الواحدة والمعاصرة.
هنا حوار:
تكتب على باب محترفك: "إن العمر كله غير كاف لإنجاز لوحة واحدة". كان محترفك جانب عمود المنارة القديم وعلى هيكليته القديمة لوحة فنية غير منجزة؟
ـ هذا المحترف انتقلت إليه العام 1979 وكأنه تكريم لحبي للعاصمة بيروت وترددت إليه وما زلت منذ ثلاثين عاماً من دون إدخال أي عناصر جديدة عليه، وهو ما هو عليه.

هل أنت مع اللوحة الواحدة؟
ـ كل إنتاج الفنان عبر مسيرته ومهما طالت أو قصرت ممكن إنجازها في لوحة واحدة تكون جمعاً لما أنتجه من لوحات.
عمود المنارة
وماذا عن عمود المنارة القديم؟
ـ إنه الشاهد الوحيد على قيامة بيروت ويقظتها ليلاً ونهاراً على الرغم من أنه لم يعد صالحاً للاستعمال.
ماذا عن طفولتك وتكوينك الفني الأول؟
ـ نشأت في بيئة فقيرة جداً، ولدت في بيروت في زقاق البلاط، وكنت ميالاً للأدب والشعر والتاريخ حتى إذا كان الرسم والتلوين اللغة التي تمسكت بها وشعرت أن تعبيري بالرسم أعمق من تعبيري بالكلمة، لذا تمددت طفولتي حتى هذا السن الذي أنا فيه ولوحاتي هي مرايا الإنسانية التي عشتها منذ طفولتي حتى اليوم.
كيف بدأت الفن، وكيف صرت فناناً؟
ـ هناك أحلام تتكشف في ذاكرتنا والبعض لا يدرك كثافة أحلامه. الفنان ربما يكون الوحيد الذي يجتذبه الفن فيذهب الى أحلامه كي يترجمها وتصبح ترجمتها واقعاً مرئياً ولخيال عاش في وجدانه. هكذا يفكر ويصير وهكذا تأتي اللوحة تعبيراً كلغة ثانية أوصل بها أحلامي الى الآخرين.
من أين بدأت الفن؟
ـ منذ دراستي الأولى في الكلية العاملية. كنت ميالاً الى الوحدة والعزلة التي أبعدتني عن اللعب واللهو. هذه العزلة جعلتني طفلاً ضائعاً بين أحلامي. صدقني إن الرسوم التي تركتها في طفولتي كانت هي رفاقي وأصحابي.
وماذا عن الجو الثقافي حينها والعلاقة مع الفضاءات الجديدة وهواجسها وهمومها وانتماءاتها؟
ـ قرأت جبران ومصطفى لطفي المنفلوطي، وكان منزلنا يغص بشعراء الزجل يوم ذاك، وبين الحين والآخر كنت أستمع الى أم كلثوم، ولم أدرك حينها أن جارة لي في زقاق البلاط وستصبح يوماً ما السيدة فيروز، وما إن كبرت وسمعتها حتى تعلقت أكثر بجبران خليل جبران وقصائده النثرية الشعرية. كانت مرحلة أولى غنائية رومانسية، وما زلت أهرب إليها من جحيم الواقع الذي عايشته. في ذهني صورة عن عالم وأيام طيبة كان كل العالم فيها من أب وأم واحدة..
جار فيروز
كانت فيروز جارة، جارة؟
ـ كان هناك زاروب في زقاق البلاط وما زال قائماً الى اليوم عبارة عن "حوش". هو عبارة عن مجموعة غرف، أي عبارة عن دار قديمة تحيط بها مجموعة غرف حولها. كان الميسورون يأتون ويأخذون غرفة فيها وكثير من الفقراء ينامون في الدار في العراء، في الهواء. "حيّ اللجا" هو أول زاوية في بيروت انتقل إليها المهاجرون من الجنوب. أنا ولدت في زاروب يفصله فقط غرفتان عن الغرفة التي ولدت فيها فيروز ولا تزال الغرف قائمة حتى اليوم. فيروز أكبر مني سناً بنحو 7 سنين على ما أذكر، حضرت عرسها، وهي لم تتغير منذ طفولتها الى اليوم بهذا الخجل والحياء، وهي من أسرة متواضعة جداً.
هذا يعكس علاقة الرسم عندك بالمكان وبالمحلة الأولى؟
ـ رسمت المحلة، لا بل كل الأعمال التي تناولت بيروت المزلزلة، وبيروت الحرب، كانت تكريماً ربما لزقاق البلاط.
أنا أعتبر أن الفن هو الشاهد على زمان ومكان حقيقيين من هنا خصوصية الفنان تبدأ وتنتهي من مدى علاقته بالمكان الذي يعيش فيه ولا يمكن أن أكون في بيروت وأرسم. كما لو كنت باريس. الحجر والبشر والشجر تعني لي كلها خلاصة حياة أحببتها ولا أستطيع الابتعاد عنها حتى ولو في سفر دائم. أنا أعتبر أن مصادر الأحلام تعيش في وجدان المكان والزمان الذي أحياه.
البعض يقول ان الرسم هو فن الزمان التجريدي على لوحة المكان؟
ـ هي فن الزمان السوريالي على لوحة المكان وبصراحة صعب العثور على اجابة واضحة بكل تجلياتها على أسئلة معقدة جداً حول المكان والزمان نفسه.
كيف بدأت مسيرتك الفنية؟ وأين درست؟
ـ دخلت الأكاديمية اللبنانية سنة 1960 بناء على نصيحة من الفنان رشيد وهبي يوم رأى رسومي الأولى، وبعد الأكاديمية اللبنانية ذهبت الى مدريد لمتابعة التخصص العالي بموجب منحة من الدولة اللبنانية العام 1971. كان أول معرض شخصي لي في بيروت لدى "دار الفن والأدب" وأذكر للسيدة جانين ربيز الفضل الكبير في إقامة هذا المعرض الذي فتح لي باباً على بيروت الثقافة يومها.
مَنْ ساعدك حينها من الآخرين؟
ـ كما ذكرت رشيد وهبي أول من نصحني بالذهاب الى الأكاديمية وجانين ربيز فتحت لي باباً للعرض أما عمر الأنسي فالتقيت به في مطلع الستينات وقبل ذهابي الى الأكاديمية اللبنانية وقد نصحني بمتابعة الدراسة في باريس لكن عسر الحال المالية لم يسمح لي بذلك الى أن حصلت على منحة الدولة للدراسة في مدريد.
تأثر
بمن تأثر حسن جوني؟
ـ لا أخفي عليك أن الدراسة في مدريد كشفت لي أسرار حركة الفن التشكيلي منذ كهوف "التمييز" حتى اليوم وما زلت أقدر أعمال غويا واليغرينو وبروغل وأعتبر أنهم أصل التعبيرية في الفن.
ومن تعتبر الرواد الحقيقيين للفن التشكيلي اللبناني؟
ـ هناك كوكبة من الفنانين اللبنانيين ومنهم فيليب موراني وحبيب سرور ويوسف الحويك. لكن جبران خليل جبران كان أكثر قرباً من نفسي لأنه رسم الداخل الانساني ولم يكن انطباعياً كما الآخرين.
تتحدث عن جبران خليل جبران الرسام؟
ـ الرسامون اللبنانيون الذين ذهبوا بأواخر القرن التاسع عشر صليبا الدويهي، مصطفى فروخ، رشيد وهبي، فيليب موراني، عمر الأنسي، هؤلاء تأثروا بالكلاسيكية الايطالية وعادوا الى لبنان ليسجلوا ظواهر الطبيعة اللبنانية كقراء في فن البورتريه الشخصية أو الطبيعة كطبيعة.
باستثناء جبران الذي رسم الانسان في حركته الوجدانية وكان أقرب الى السوريالية ـ التعبيرية منه الى الآخرين، جبران دخل الى جوا ورسم الانسان الانسان.
كيف ترسم، كيف تشتغل يومياً، كيف تنظم وقتك، وكم ساعة تشتغل يومياً؟
ـ ما زلت لغاية اليوم أرسم على ضوء النهار بين التاسعة صباحاً والثالثة بعد الظهر بشكل منظم يومياً.
حتى أيام الآحاد؟
ـ حتى أيام الآحاد، ألجأ الى المحترف في المنارة الذي أصبح بالنسبة لي هيكلاً مقدساً.
تسكن المطرح كأنك تسكن لوحة؟
ـ أبقيت هذا المرسم على ما هو عليه، ولا أريد المساس بتاريخه وهو جزء من تاريخ بيروت القديم، لأنه يقربني من البيوت التي عايشتها في طفولتي.
بالعودة الى الرسم اليومي هذا يطرح سؤالاً حول موقع الفنان في التكرار وعدم تحديث نفسه أم العكس يتجدد الفنان نتيجة تراكم خبرة؟
ـ صحيح، العكس هو الصحيح لأن الزمن المفتوح للفنان يتيح له أن يعمل بجدية أكثر وبتأملية أعمق لما يريد أن يقدمه لمجتمعه. الفنان يقع في التكرار حتى لا يكون لديه الوقت للتأمل، حينها يكون محاصراً برؤاه القديمة والماضية أو برؤاه المعتادة، ولا يكون لديه وقت لأن يقدم جديداً.
كيف تطورت علاقتك ببيروت؟
ـ أنا من أسرة تقيم في بيروت منذ 140 عاماً ولدي في بيروت أحلام تتعلق بأماكن ما زلت أذهب إليها حتى اليوم، وأعتبر أن لوحتي مدينة الى عاصمة اسمها بيروت. لأن بيروت أكثر مما هي حجر وبشر، هي مدينة مكتظة بالثقافات المتراكمة والعابرة، وأنا وريث هذا المناخ الفكري الطليعي الذي ما زالت بيروت شاهداً وشهادة عليه.
الشعر
كيف تحدد علاقة الرسم بالكلمة بالشعر؟
ـ الفن التشكيلي هو لغة عالمية، وعلاقة تقدم للانسانية في أي مكان من الأرض أثراً مستوحى من قضايا السياسة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية هذا الأمر تبلور من القرن أكثر وكان الفن التشكيلي جزءاً من التحولات الفكرية والثقافية في الغرب أكثر. الفن في لبنان شكل جزءاً من هذه اللغة الفائقة التعقيد والبساطة في آن. الشرق اليوم يعيش فورة تشكيلية وهذا ما نراه في المعارض الكبرى والخاصة من حين لآخر لأن التشكيلي البصري أصبح جزءاً من وسائل الاتصالات الثقافية في هذا العالم الجديد.
تتحدث عن بيروت الستينات؟
ـ بيروت كان من المفترض أن تكون الأندلس البديلة للعرب. كانت هذه بيروت الستينات في عقد الابداع بامتياز.
للأسف ضيقوا الخناق على بيروت حتى الاختناق وأنا أخشى ما أخشاه من الموت البطيء الذي يحاصر هذه المدينة من كل الجهات بحيث لا تبقى أي واسطة تعبير تبحث عن أصولها في التراب وتمتد بفروعها الى السماء، وعامل إلغاء لهوية المدينة المتنوعة والتعددية وهذا الصراع الذي ما زال مستمراً هو "إقتلاع ضرس عقل الهوية في بيروت"، قد يكون المقصود فهذا هو اقتلاع دور بيروت ونحن ربما نكون آخر المشاهدين على موت مدينة! أنظر اليوم بيروت ماذا بقي من بيروت بقايا انتاج في الثقافة والفنون، بيروت تنتج الفنون لكن ربما الى حين، والتسوق في مكان آخر، مجرد بيع لوحة لفنان لا تعني مطلقاً بيع اللوحات. السوق الفنية أصبح في مكان آخر غير بيروت.
برأيك لماذا ليس هناك لوحة عالمية عربية؟
ـ على الرغم من أن الشعوب العربية تمتلك تراثاً تشكيلياً قديماً ومعاصراً، لكنها للأسف لا تملك القدرة التنظيمية المؤسسات لتأسيس بورصة عالمية وبالتالي لوحة عالمية ولتنظيم حركة الفن سواء داخل العالم العربي أو في فن العالم الأوروبي أو الغربي ككل.
لماذا برأيك؟
ـ هذا يعود لعدم اعطاء الفن الهامش الواسع في حركة الفن المعاصر، لأن الحركة يملكها فقط النظام الحاكم، أي السلطة الرسمية الثقافية.
يمكن حسن جوني شكل استثناء ما؟
ـ كان نشاطاً خاصاً كلفني كثيراً من الجد واعاد لي الفرح الروحي، والرئيس الشهيد رفيق الحريري كان له دور كبير انه أول رئيس مجلس وزراء في تاريخ لبنان قرر أن تكون اللوحة الفنية هدية رسمية ووجهاَ مشرقاً للفن والثقافة اللبنانيين. وهنا اعترف بما كان يتمتع به من تذوق رفيع ونبيل بما كان يختاره من أعمال يقدمها هدايا لزواره الكبار، ولأسماء عالمية في زياراته الرسمية الى الخارج، كما أنه أول رئيس وزارة يأمر بأن تدخل اللوحة التشكيلية المراكز الرسمية وقصور الرؤساء وتزيينها بالأعمال الفنية الكبرى.
الحرب
وماذا عن لوحة حسن جوني والحرب والعنف؟
ـ لأن الحرب هي موقف اقرب الى الموت منه الى الحياة، تصبح الحرب حدثاً مرعباً يؤثر في نفسية بعض الفنانين وتخلق مناخاً غرائيبياً تدفعه الى ابراز اكثر الجوانب مأساوية ووحشية خصوصاً حين يتناول الأمر قتل الانسان لأخيه الانسان.
هذا نحو ما عبرت عنه في اعمالك الحديثة في المعرض الجديد؟
ـ هناك أكثر من لوحة في المعرض الجديد تمثل الحرب والحروب وهي متمثلة في لوحة الخيول التي تتآكل وهي الخيول التي كانت رمز الفتوحات العربية. هناك حصان بطل وفي حصان "شرشوح" ومنهزم ومنكسر... هذا المشهد السوريالي الحزين يعبر عن نفسه بعنف بعض اللوحات. هذا الطرح الاحتجاجي عندي عبرت عنه وهو مرتجى وجداني ضد العنف وحاولت أن الون به النفس التي تتوق الى السلام. لكن وكل ما يجري هنالك كوابيس واشباح تتصارع ونكاد نرى دماء، وهي تكوّن ضمائر مرتكبيها.
يقال ان الحركة الفنية التشكيلية اللبنانية تأثرت بكل الاتجاهات من دون أن تبني اتجاهاً ما رأيك؟
ـ صحيح، لأن لبنان بلد مفتوح على رياح العالم المتعددة، الرياح الثقافية وبما أن نهضة الفن التشكيلي في لبنان جاءت في زمن الخروج من التراث والدخول في العولمة. لذا ما يجمع الفن اللبناني ببعضه البعض هو هذه الحرية التي صاغت لوحة، ولم تؤدِ الى تيار.
سألت لماذا لا توجد بورصة للفنون التشكيلية في العالم العربي على غرار الغرب؟
ـ لأن الأنظمة العربية السياسية لم تتوصل بعد الى تفعيل دور الفن في المنظومة الاقتصادية لبلادها في سياق حركة السوق والرأسمال والميديا الحديثة.
ماذا يعني أن يعيش الفنان اليوم في بيروت؟
ـ انها بطولة حقيقية ان نحيا في بيروت اليوم وبكل حب الحياة، وان تكون انساناً يبحث عن السلام ليقدمه للآخرين بعيداً عن لغة الحرب وفانتازيا العنف القاهر.
رسمت حمامة سلام متآكلة واقول متآكلة للاسف. هذا هو الواقع الراهن.
هذه هي الاشباح التي رأيتها عبر حروب بيروت المتكررة.
اخبرني كيف تتعامل مع لوحتك؟ وما رأيك بالعناصر المضافة اليها؟
ـ انا ما زلت أميناً للوحة المحترفية طالما لا تزال هذه اللوحة تؤدي لي وتوصلني الى ما أريده وما أريد أن اصل اليه، معنى آخر ما زلت أرى في اللوحة كشوفات تغنيني عن البحث عن استعمال وسائل اخرى في العمل التشكيلي. ربما تكون هي الوسيلة الجوهرية في تحقيق احلامي ولسواي من الفنانين الحرية في ان يختار ما يريد. لكن كلنا دون استثناء يجب علينا الوصول الى نقطة الذروة او ما نسميه المدرك الجمالي للعمل الفني. واذا تطلعت للوحات انسان الكهوف الأولى الى اخر لوحة رسمها تابيس الاسباني، ولو صورت تصويراً مركباً انعكاسياً لكل الروافد التشكيلة الجديدة ستقود هذه الروافد الى الينبوع الأصيل، اي المدرك الجمالي الواحد الذي يقود الروافد والتيارات التشكيلية في العالم.
مشتقات
يقول البعض ان كل الفنون مشتقات؟
ـ بالتأكيد، هي أعمال تحليلية لمفهوم واحد والهدف توصيل الفهم التعبيري الجمالي. سواء من كهوف "الامس الى تجهيزات اليوم، العبرة ايصال المفهوم الجمالي للآخرين.
من هم اصدقاؤك اليوم من الفنانين؟
ـ شوقي شمعون، مارون الحكيم، عبد الحميد بعلبكي، ونزار ضاهر والبعض ممن تبقى.
أمين الباشا؟
ـ كلا!
جميل ملاعب؟
ـ من الاصدقاء وانا معجب بشغله الفني.
حسن جوني فنان مرتاح، على تفاهم مع الواقع ويرسمه بحيادية جمالية مع جوانب من المعاناة الانسانية بأعماقها هل هذا توصيف دقيق؟
ـ أبداً، وجود الفنان بحد ذاته هو كسر للحيادية الحالمة والحيادية. في الحياة الفنان مثل الكتلة النارية، بحاجة الى كتلة نارية تنبعث من داخله الى خارجه، وهذا يتأتى من أمرين، من احساس قومي مرتبط بكرامة الفنان وللفن كبرياؤه وكرامته وهذا عبر عنه الشاعر خليل هادي بموقفه الرافض بالمطلق لوجود اسرائيل في بيروت وقاوم هذا الوجود على طريقته. والأمر الثاني وجود امرأة في حياة الفنان، وهذا يشكل الحافز الحار لابداع الفنان.. وبدونها اعتقد جازماً ان الفنان ليس في حياته امرأة شيء آخر.
يعني ذلك فناناً غير قادر على الحب، جورج صاند اشتغلت على ثلاثة ملوك في عصرهم: شوبان وبودلير ودولاكروا. امرأة واحدة حركت 3 طاقات ابداعية هائلة.
المرأة
والمرأة في لوحتك؟
ـ هي مثل السر الذي نحافظ عليه، كي لا يعرف وجماليتها تنبع من عمق سريتها ولا يجوز الكلام عنها كثيراً، وعندما أرسم المرأة تكون هي الحكاية كلها، وبصراحة شديدة لست مستعداً مطلقاً للوقوف امام بشاعة المرأة. لأن المرأة اما تكون موجودة أو لا.
كيف تنظم عناصر لوحتك من أين تبدأ؟
ـ كل لوحة لها نظام وتأليف خاص بها، والفنان العظيم هو من يدرك هذه الاختلافات الجوهرية في تنظيم عناصر اللوحة.
ومتى يقع الفنان في التكرار؟
ـ عندما لا يعود له قدرة ناجمة عن استعمال ادواته المحترفية ولا على الرؤية التي تعكسها العناصر في فضاء اللوحة، لأن هذه العناصر ان تركت ضائعة في فضاء اللوحة ضاع الفنان معها، واللوحة بالنهاية هي خلاصة التأليف الذي تميز فناناً عن آخر.
كنت متعصباً لتيار التعبيرية اكثر من سواه؟
ـ هذا صحيح، واعتبرت سواه عملية نسخ للواقع أو تقديم بريء له، لكن في الفن ليس هناك من براءة، هناك جدية ترتبط بقدرات الفنان الروحية والثقافية والاختيارية والتقنية، انا اليوم ادخل الى تاريخ الفن كمن يدخل الى حديقة ليستمتع بكل ما فيها ويحتفظ لنفسه عند خروجه من الحديقة بالوردة الأخيرة لديه.
الخط السياسي للوحتك هو المعاصرة؟
ـ من جهة نظري طالما لوحتي لا تزال تحمل نبضاً انسانياً محتجاً على وقائع لا يمكن أن أتأقلم معها أو أؤمن فيها، اعتبر لوحتي لوحة معاصرة في المعنى الداخلي للاحتجاج وليس بالمعنى الشكلي او الظاهري لتركيب المادة. ليست التجهيزات الحديثة اكثر بلاغة من سوريالية دالي، ولا الدادائية أكثر دلالة من تعبيرية فان غوغ، ولا التكعيبية اكثر بلوغاً من تعبيرية غويا. هذا رأي والمعاصرة هي ان تحسن قول ما تريد قوله في اللوحة، لا سيما ونحن في أواخر المعاقل التي تعاند الدخول في سرداب العولمة حيث لا خصوصية ولا كلام.. ولا شيء... عولمة هزيمة وهباء واحباط ومآسٍ هي دلالة على مدى الفراغ في الارث الانساني الداخلي.
منذ متى لم تقم معرضاً فنياً؟
ـ منذ العام 2001
وعلاقتك بالغاليريات؟
ـ جيدة، لكن علاقتي بغاليري "الوان" الأهم والأكبر ويعود ذلك الى ان صاحبة الغاليري أوديل مظلوم هي فنانة أيضاً وتملك صالتين للعرض والتعامل يجري كفنانين وليس كفنان وصاحب مؤسسة.
وعودتك الى وسط بيروت بعد كل الذي جرى؟
ـ عسى ان اساعد طائر الفينيق على النهوض مجدداً، ومعرضي الحالي هو دور اقوم به من أجل عودة بيروت كعاصمة ثقافية ومناخاً لحرية متجددة.. الفن هو ما أردت ان ارفعه تكريماً لنفسي كفنان. أنا وأعمالي ارفعها تكريماً لمجتمعي الذي احبه وللعاصمة التي حملت جنيناً وتحملني الآن وأنا في هذا العمر.
لو لم تكن فناناً هل كنت شاعراً؟
ـ نعم، اقرأ الشعر كما لو أنني كتبته.
وماذا عن تلك النافذة في محترفك المطلة على البحر؟
ـ أحب البحر بمقدار ما هو بعيد عني، يخيفني كثيراً واعتبره ليلاً آخر.
ومع ذلك ترسمه؟
ـ لأنني ارسم عادة ما يشكل هاجساً لي.