فارس من عصرنا |
المقاله تحت باب مقالات
ضياء العزاوي الذي طوّر فنه بجهد
وكدح وتفان في اكتساب الخبرة والمعرفة، لا يتردّد في إهداء كل ما اكتسبه من خبرات
هي في حقيقتها خلاصة حياة.
ما
معنى أن يلتقي المرء ضياء العزاوي؟ الفنان العربي الذي كان الرسم بالنسبة إليه
طريقا إلى العالمية. ولأنه يقيم في قلب العالم (لندن) منذ أربعين سنة، فإن كل كلمة
منه إنما تعبر عن واحدة من خلاصات خبرة العيش فنانا في الغرب.
العزاوي هو فنان محترف منذ بداياته، لقد اختار أن ينحاز إلى شغفه الفني بالرغم من اختصاصه الأكاديمي في الآثار. وهو اختصاص عاد إليه مرات عديدة، لكن من خلال شخصية الرسام الذي كان معنيا بالجمال المطلق. بالصورة الخيالية التي تتجلى عن طريق الآثار، كان ضياء أكبر من اختصاصه يومها، كان يخترع سبلا لكي يكون الجمال الذي اكتشفه خالدا، وهو الفعل ذاته الذي قام به الفنان السومري. ومع ذلك فشخصية الرسام وقد اكتملت في وقت مبكر من حياته، لم تحتكر شخصية الحالم لمصلحتها وحدها، فرجل خلاق ومتمرّد وعصي على الاحتواء مثل ضياء العزاوي، كان يجد في كل منعطف من منعطفات سيرته الفنية نشاطا نافعا يسرّب من خلاله حيويته الفعالة. فإذا كان في السنوات الأخيرة قد كشف عن موهبة فذة في النحت، وصار يعرض منحوتاته منفردة أو إلى جانب لوحاته، فقد كان دائما رجل المشاريع الفنية التي يصبّ نفعها في خدمة الحركة الفنية. ولا أظن أن فنانا عربيا كان قد خدم الحركة الفنية وفتح أمامها الطرق الواسعة مثلما فعل العزاوي. لم ألتق به يوما إلاّ وهو منخرط في الإشراف على مشروع فني جديد، لا علاقة له بعالمه الفني من غير أن يشعر أن هناك انفصالا بين عالمه والمشهد الفني الذي يقوم بتأثيثه بأفكاره التي غالبا ما يستفيد منها الآخرون. العزاوي الذي طوّر فنه بجهد وكدح
وتفان في اكتساب الخبرة والمعرفة، لا يتردّد في إهداء كل ما اكتسبه من خبرات هي في
حقيقتها خلاصة حياة، عاشها الفنان بمستوى عال من النبل والترفع، وبأخلاق تذكر
بأخلاق الفرسان. ضياء العزاوي هو أحد فرسان عصرنا القلائل الذين ينبغي النظر إليهم
بفخر.
من
جريدة العرب
|