لوحة التشكيلي السوري وليد الآغا مابين إيهام الشكل وألق اللون وتوهّجه أو انطفائه |
المقاله تحت باب مقالات لوحة التشكيلي السوري وليد الآغا مابين إيهام الشكل وألق اللون وتوهّجه أو انطفائه غازي عانا " فنون الخليج في كل معرض ومناسبة عرض يقدّم التشكيلي وليد الآغا وكعادته إضاءة جديدة، بل إضافة جديدة وجدّية لبحثه عن المدهش في فضاءات الحرف وتجلياته تشكيلياً وتقنياً، مناغماً بين الأصالة كمرجع والمعاصرة أو الحداثة كصياغة، وهذا ما ساعده على تقديم موضوعه بأشكال تعبير مختلفة، كانت في مجملها ملفتة للذائقة باختلاف مستوى متلقيها وثقافتهم من حيث محتوى مفرداتها كمعنى، أو رجع إيقاعها كمغنى، هذه الثنائية التي نجح الفنان في توليفها دائما على نفس السطح في معظم الأعمال المنجزة لتلك المشاركات في المعارض المختلفة خلال 2010-2011، أو التي قدمها عبر مراحل تجربته في أكثر من معرض أو تجربة عرض منذ العام 1985.وفقا لما نشر بموقع اكتشف سوريا وهذه المزاوجة المتناغمة بين الشكل والمضمون في أعمال التشكيلي الآغا، هي دائماً بشهادة الضوء الغزير على بعض المناطق في اللوحة، مثيرة شهية اللون على الإفصاح عن مكنونات العناصر المعتمدة في بنائها وعمارتها على أساس تراتبي عمودي، ومراعية في نفس الوقت تداخل وانسجام المفردات ككتلة وفراغ مناسبين نـَسَقياً، وهذه الميزة التي تتسم فيها لوحات التشكيلي عموماً، والتي ربما تجلّت في نتاج تجربته الأحدث، من رحابة مساحة العرض ومقاس اللوحة.
التشكيلي وليد اللآغا في مرسمه
غالباً ما تعكس لوحة وليد الآغا من طريقة إضاءتها وما احتوت من منظومات لونية، طقوساً روحانية تقارب في صياغاتها أجواء الأيقونة الشرقية، متضمّنة أسرار المعرفة الإنسانية لشعوب هذه المنطقة وحضاراتها المتعاقبة من خلال ما يظهر في أشكال الأختام، وخصوصية ما يحيطها من رموز وتعاويذ تعيد الزمن حُقباً إلى الوراء، أو الأصح كانت تستحضر هذه المفردات بما تضم من معارف وسحر وخيال من حقبة تاريخية بحد ذاتها إلى هذا الزمن بكامل حيويتها وألقها، مضيفاً إليها سمات الحداثة بما تحتوي من قيم تجريدية حلمية في الشكل، أو رمزية في دلالة الألوان وإضاءاتها، وهذا النوع من الاشتغال الذي ميـّز أعمال الفنان دائماً جاء بفعل تراكم الخبرة والمعرفة بالمواد والأدوات التي يزدحم فيها مختبره التقني «مرسم الفنان». مرسم التشكيلي: هذا الفضاء الخاص والذي تعكس تفاصيله والأشياء التي يضيق بها رغم رحابة مساحته، تعكس بامتياز كثيراً من اهتماماته وشخصيته وثقافته التي فاضت فيها مربعاته العاشقة لكثير من الوجد والصوفية وهي تضمّ بحميمية حرارة أجواء الشرق بسحره وغموضه، وخيالاته وحلمه في مكان وزمان محددين في هذا المربع، أو على تلك السطوح من المجسّم الذي يركن هناك، وما بينهما تجمعّت أكوام الملوّنات والأدوات، وعلى الأرض تكوّمت عشرات الأختام والكليشات المتنوعة بمحتواها وما تضمّ من تشكيلات ورموز مدهشة ببساطتها، حضـّرها بنفسه من محفوظات الذاكرة والمشاهدات والسفر، تلامس في موضوعاتها بعض هواجسنا وأحلامنا اليوم، لتترك كل واحدة في زمن محدد بحسب استقرارها تأثيرها بالتتابع على نفس السطح، وهكذا تتداخل تلك الانطباعات لتشكل مع بعضها مجموعة مستويات من التعبير، يضيف كل واحد إلى المجموعة السابقة بعداً جمالياً من حيث لونه ودرجة وضوحه بالإضافة إلى ما تبقى من شكله، وهذه العملية بمراحلها وما تتطلب من وقت هي بالنتيجة جزء من عمل اللوحة التي لابد أن تتحول إلى مكان أخر حيث تخضع لكثير من الاشتغال حتى تنضج وتشارف على الانتهاء، وهنا لابد من ملاحظة انشغال التشكيلي بالتحضير وتهيئة أكثر من عمل في نفس الوقت، فمعظم تلك اللوحات هنا في مشغله غير منتهية تماماً، وما زال يلزمها بعض الإضافات التي قد يُعاد أحياناً النظر فيها ككل، وهذا يعود بالنهاية إلى تقييم التشكيلي للعمل أو اللوحة قبل التوقيع عليها. في رحاب البحث عن الممتع، غالباً ما يسعى التشكيلي وليد الآغا المسكون دائماً بهاجس الاكتشاف - وفي كل مرة - أن يطلعنا على جديد جمالياته بكل أنواع الفنون المدهشة التي يمارسها، لتضاف إلى رصيد تجاربه الهامة المنوعة والمجتهدة، وصولاً إلى صياغات حداثية لمشهده التشكيلي الذي يتضمّن دائماً كل الأصالة، كما يحمل أيضاً المفاجأة من تميّزه بالرشاقة والقوة والحيوية في آن، محقـّقاً المتعة للبصر، والسكينة للبصيرة من اندهاش العين في تلك الجماليات التي تفيض على تلك الجدران، وهو يرفعها قبالتنا مربعات من الشوق إلى بيوتات ركنت هناك في أقصى الذاكرة، أو على حجارة ما بقي من عمارة المدن المنسية، تزيّن أبوابها بعض الزخارف والرسوم المبهمة من حيث رمزية دلالاتها، فتزيد المشهد تماهياً والفضاء تجريداً. يصيغ التشكيلي وليد الآغا لوحاته تلك، بطريقة يمزج فيها بمهارة بين التصوير والغرافيك كتقنية واشتغال، معتمداً على مجموعة من العناصر أساسها «الحرف» بتحولاته العديدة من شكله البدائي كما جاء في الكتابة المسمارية والحرف «النبطي» وأبجدية «جبيل»، التي كانت تزين تلك الأختام الأسطوانية والرقم الطينية المكتشفة في المنطقة السورية التي تعود إلى آلاف السنين، وصولاً إلى ما أضافته بعض التقنيات العلمية في التصميم التي يصيغ بعض المشتغلين من التشكيليين في الحرف أشكالاً لها تخصّ تجربة أو أعمال كل منهم على اختلاف تباينها، والتشكيلي الآغا واحد من هؤلاء المجتهدين على ذاته الفنية لتأصيل تجربته في هذا الفضاء الإبداعي الذي أخلص له متفرّغاً دارساً وباحثاً في خصائصه التقنية والتشكيلية الجمالية. تركن لوحة وليد الآغا مابين إيهام الشكل وألق اللون وتوهّجه أو انطفائه، بحثاً عن الممتع ورغبة في اكتشاف آفاق جديدة أكثر إدهاشاً له ولمتلقيه على اختلاف مستوى اهتماماته، لذلك غالباً ما نلاحظه يهتم بالجماليات مع المحافظة على هامش القيمة، التي تركن في كثير من المناطق دون ضجيج أو ثرثرة بصرية ملفتة، وهكذا يحضر العمل في كل مرة بطريقة مختلفة من الأداء، ليفتح بالتالي نوافذ جديدة من الحوار مع الآخر، الذي يفضّل أن يبقيه مفتوحاً ليفيد ويستفيد، وهو المتفرّغ لعمله الفني إن كان في مجال التصميم والطباعة أو العمل في اللوحة، وفي الحالتين يعيش دائماً متعة وحالة الاكتشاف من التجريب في الأدوات والمواد إن في المرسم أو في المطبعة، وهذا ربما ما جعل التنوع أحدى ميزات تجربة الفنان الغنية بمحطاتها ومناخاتها، ولكنها بالمحصلة تبقى تدور مع كل ما تحتوي من مؤثرات في فلك رحاب خصوصية حقـّقها من خلال حبه وإخلاصه لعمله وصدقه في البحث عن المختلف في ظل ذلك التشابه والتناسخ الذي يسود اليوم في أوساط المشهد التشكيلي السوري. ينوع التشكيلي في عمله مستفيداً من أي مادة أو لون، وهو يستخدم منها «الإكرليك ، الباستيل، الأحبار المختلفة والألوان الترابية»، وكثير من الإضافات والوسائط «الكولاج» التي يراها مناسبة لإضفاء ولو قيمة بسيطة من الجماليات لإغناء السطح الذي يعتمد عليه كثيراً، إذا كان ورقاً أو قماشاً كونه سيعكس بالنهاية نبض ولحظة التعبير وحرارتها إلى المتلقي مباشرة، وبغياب الفنان الذي تنتهي مسؤوليته عن العمل وعلاقته به منذ لحظة توقيعه عليه. إذن الحرف .. مفردته المدلّـلة التي اعتمد التشكيلي وليد الآغا عليها في بناء لوحته، إن كان ذلك على صعيد التكوين الذي وازن فيها إيقاع العناصر في المساحة ككل، أو اللون المستمد من البيئة ومؤثرات المنطقة، وأيضاً نجحت التقنية في إظهار القيم الغرافيكية لكل من الخط واللون، ومساهِمة في تمثـّلها التراث كقيمة جمالية وتعبيرية من خلال أشكال الرموز ورسم الحروف، وفي نفس الوقت لتعكس اللوحة بالنتيجة أشكال الحداثة من حيث الصياغة الواعية لاستخدامه الحروف وإمكانية الاستفادة من رشاقة أشكال بعضها في بناء عمارة تشكيلية مدهشة من استقرار وحيوية نهوضها في فراغ المشهد واللوحة عموماً. |