الكراسي: المغامرة المسرحية الجميلة وعلي ماجد شبو

المقاله تحت باب  مقالات
في 
02/06/2009 06:00 AM
GMT



نص كلمة الفنان القديرالأستاذ يوسف العاني في أفتتاح مسرحية "الكراسي" في عمان

 
أيها الأصدقاء والصديقات، وأنتم هنا بين جدران المكان الذي يوحدنا جميعاً. مهما اختلفت المواقع والمناصب والأعمار، ومهما تباينت وجهات النظر، نتوحد أمام هذه الخشبة الشريفة النظيفة وهي تحمل لنا الحق والحقيقة، وتقدمُ لنا أعلى مرحلة من مراحل الفرح الذي يستطيع الإنسان الفنان أن يهبها للآخرين.

أتشرف اليوم أن أقف على هذه الخشبة التي طالما أسعدني الوقوف عليها لا متحدثاً بل ممثلاً طيلة 65 عاماً، أقول لكم وأعترف أنها كانت وما زالت سعادةً أقرب إلى السحر الحلال الذي جمل لي عمري ودفعني لأن أستدين سنواتِ عمرٍ جديدة لإظل إبناً باراً لها رغم شيخوختي التي يتجدد فيها شبابي كلما شاهدت أبناءً لي يرسمون الدرب الجديد والجاد للمسرح الآتي كما أشاهد اليوم.

شكراً لمن فسح لي مجال الوقوف لأتحدث عن – الكراسي – وكنت أتنمى لو شاركت بعمل متواضع فأحمل كرسياً وأُعين النادرة .. نادرة*.. في نقله وهي تمثل أو أن أفتح الباب لأُبعد محمد* عن جهد يختزنه في مشهد آخر. لكن الذي حصل أنني أردت أم لم أرد، أقف أمامكم راغباً لأبارك هذا العمل الذي اسميه بصدق ومسؤولية مغامرة جميلة آمن بها مقدمّوها وأدخلونا فيها.

كانت مغامرة شجاعة بمناسبة الإحتفاء بالقدس عاصمة للثقافة العربية. فالقدس كما قلنا قبل أسابيع "في عيون مسرحيينا" وهي قبل هذا في قلوبنا وضمائرنا. منذ أن كنا صغاراً نحلم بالحرية ونقارع الظلم وصانعي الظلام.

الكراسي اليوم - أو مغامرة الكراسي، تدعوني للإشادة بها مقدماً وتدعوني إلى فضح أسرار حان أوان نشرها لمن لا يدري والتذكير بها لمن يدري.!

إن الفنان الذي أعدها  وأخرجها شخصية معروفة على المستوى الدولي يتحمل مسؤولية كبيرة لا علاقة لها بالمسرح ظاهرياً. إنه ينتقل بين أنحاء الدنيا باحثاً ودارساً واقع الإنسان و العمل على تنمية حياته لتكون أفضل ولينعم بها مرتاح البال مستقر الضمير.

هذا المسؤول دولياً هو علي شبو، واسمه الكامل على ماجد شبو. من هو هذا الذي يقول عن نفسه "ولد ولم يترعرع"!

أراه اليوم أمامي قبل أكثر من ثلاثة عقود طالباً في فرع التمثيل بمعهد الفنون الجميلة ببغداد. يقول بعض من درسوه: أنه معاند يتحدى ما يقدمونه له من صيغ لا تتحمل الاجتهاد! مشاكس، قليل الكلام كثير العمل. يطرح أراءه المرفوضة بلا خوف بل بثقة عالية تتجاوز  سنوات دراسته وسنوات عمره، إنه مُتعب!

ويقول آخرون: إنه شاب عنده أشياء جيدة في المسرح، لكنها غير مفهومة حتى منا وعلينا!

اليوم أستعيده بعد عقود من معرفتي به وأنا أناديه انذاك بصوت عالٍ: علاوي.. فيأتي مسرعاً، وأسأله أسئلة كثيرة دفعة واحدة من باب " الحرشة والفضول"! فإذا به يرد عليّ بوضوح أحياناً وبغموض حيناً آخر كأنه يطلب مني المساعدة لتحقيق ما يريد، ليكتشفوا أنه على حق وإنه ليس مجنوناً – كما يسمونه أحياناً. وأمسك به وأشجعه، وأضعه داخل أحلامي البعيدة. إن هذا الشاب سيكون ذا شأن.

ويغادرنا ذاك العلي ماجد إلى باريس وتكاد أخباره أن تنقطع لكنني كنت أتسقطها.

باختصار شديد، راح يعمل بمسؤولية عالية بإطار دولي في مجال التنمية وينتقل من بلد لآخر وكأنه ينفذ ما قاله بابلو نيرودا "قبل الإطلاع على تلك الأقوال".

"كان يسافر كثيراً.. ويقرأ كثيراً.. ولا يكون عبداً لعاداته.. ولا يهرب من العشق وزوبعة العواطف وإنه يغامر كي يحقق أحلامه.. وإنه لا يبخل على نفسه في عيش السعادة! وإنه أخيراً وليس اخراً بعيد عن وطنه العراق لكنه يحن إلى :" كيمر الحلة، وكبة الموصل، وإلى استنشاق نسيم الأرض التي عاش فيها جلجامش القريبة من مدينته!"

اليوم بعد أكثر من ثلاثة عقود، يعود ذاك الشاب الصغير الذي أعرفه يعود مع شباب مبدع من مسرح الأردن ليقدم " الكراسي" برؤية جديدة وجادة في "تدجين" العبث على الصعيد التاريخي واليومي وأن يربط ما هو ملحمي وما هو شديد الواقعية إلى حد الكاريكتير.

فكيف فعل هذا؟ هو و من معه؟
إنني لا أضيف لكم أكثر مما قلت لكنني أشير إلى مقدمي هذه المغامر الجميلة وأقول لكم:

"أولئك أبنائي فجئني بمثلهم – إذا جئتني يوم الفخار مفاخراً...!"

وشكراً لهم ولكم
 

يوسف العاني

26 مايو/ أيار 2009

 
___________________

* الفنانة نادرة عمران وقد قامت بدور الزوجة

* الفنان محمد الإبراهيمي وقد قام بدور الزوج