«مقام» متخصص في الفنّ اللبناني الحديث الغاليري البيروتيّة افتُتحت بـ «مناظر طبيعيّة

المقاله تحت باب  معارض تشكيلية
في 
22/03/2009 06:00 AM
GMT



«منظر جبلي» لبول غيراغوسيان (زيت على كانفاسـ 60 × 85 سنتم ــ 1984)رغم الازدهار الموسمي الذي تعرفه الحياة الفنيّة في لبنان، فإن التجارب التأسيسيّة التي تفتّحت وازدهرت خلال أواسط القرن الماضي، تبدو غالباً منسيّة ومهمّشة. جو طرّاب وصالح بركات قرّرا التصدّي لهذا النقص، عبر تأسيس فضاء جديد في حي الصيفي (بيروت). المعرض الأول انطلق قبل أسابيع


ما زال كلّ مركز فنّي جديد في البلد يُعَدّ وليداً للحاجة، هو لم يتعدّّها بعد ليرتقي إلى مستوى الترف الثقافي. النقص الذي يشمل نواحيَ عدة من الحياة الفنّية والثقافيّة اللبنانيّة، يحاول بعض الفنّانين إشباعه بمبادرات فرديّة ومشاريع شخصيّة أو جماعيّة، مراهنين في ذلك على الجيل الصاعد. وفي هذا السياق تندرج «مقام»: غاليري جديدة، متخصّصة في الفن اللّبناني الحديث، وجدت لها مكاناً في منطقة الصيفي ـــــ حيث تتركّز الغاليرهات ـــــ وتطمح إلى التعويض عن غياب المتحف أو الكتب الكافية المتخصّصة في الفن اللبناني الحديث. ليس هذا هو الدافع الوحيد طبعاً. هناك أيضاً آفة التزوير الذي تتعرض له الأعمال الفنيّة المعروضة للبيع في مزادات دبي. كل ذلك دفع الناقد الفنّي جو طرّاب، والمسؤول عن غاليري «أجيال» صالح بركات، إلى إنشاء ما يشبه «مرجعيّة» لفنّاني الجزء الأوّل من القرن العشرين، من خلال هذا الـ«ميني متحف» كما يسمّيه جو طرّاب.
«نافورة» لعمر أنسي (زيت على خشب ــ 38 × 46 سنتم ــ 1936)تأخذ «مقام» على عاتقها تنظيم أربعة معارض في السنة أو خمسة، كما يقول صالح بركات، كلّها معارض جماعيّة، لكلّ واحد منها محور خاص يجمع اللّوحات ضمن إطار محدّد، وتستمر أشهُراً. كما أنّها تقتصر على عرض أعمال اللبنانيين المنتمين إلى مدرسة الفنّ الحديث. ويرى طرّاب أنّ تخصّص الغاليري في نوع معيّن من الفنّ أمرٌ إيجابي، مشيراً إلى أن «مركز بيروت للفن» الذي افتُتِح أخيراً متخصّص في الفن المعاصر. ويقول: «كلّ مشروع منهما مختلف عن الآخر. الفن المعاصر يتعامل مع العالم بطريقة مغايرة عن ذلك الحديث، إلّا أنّنا بحاجة إلى الاثنين لتصبح أمامنا المسيرة الفنيّة كاملة».
ويذكر صالح بركات أن «أجيال» أدّت دوراً مهماً في تنشيط حركة الفنّ العربي المعاصر، لكنّها غير قادرة على أداء كل الأدوار. كان لا بدّ من فضاء مستقلّ ومتخصّص، فافتتحت «مقام». يرى طرّاب أنّه يجب أن تكون لـ«مقام» مكانة مهمّة لدى الفنّانين الشباب خصوصاً، كي يضعوا أنفسهم في هذه السلسلة الطويلة مع الفنّانين الذين سبقوهم، ويعرفوا أنّ فنّهم لم يولد من العدم بل إنّهم ليسوا إلّا نتيجة هذا التطوّر حتى لو لم يتيقّنوا من هذا قبلاً.

اختار القيّمان على الغاليري افتتاحها في الجزء الأول من معرض Landscapes.Cityscapes.1 أو «مناظر طبيعيّة ومدينيّة ــــ 1» لأنّ المناظر اللبنانيّة مصدر إلهام أساسي لفنّاني لبنان، في رأي بركات. أمّا المعرض الثاني، فسيتناول موضوع «فنّ الرسم». وحصلت «مقام» على اللّوحات القديمة لهذا المعرض وسواه، من المجموعات الفنّية، من خلال رحلة بحث قادتها إلى كنوز لدى أصحاب المجموعات، ثم لدى عائلات الفنّانين أنفسهم أو عائلات أخرى توارثت هذه اللوّحات، إضافةً إلى مخزون غاليري «أجيال».
عميد فنّاني الفن الحديث في غاليري «مقام» في هذا المعرض الأول، هو يوسف الحويّك (1883 ــــ 1962) الذي يشارك بلوحته «شجرة الصنوبر». يشرف طرّاب وبركات نفساهما على اختيار الأعمال الصالحة للعرض (مع إمكان استشارة أطراف أخرى أحياناً). والشرط الأساسي لقبول لوحة ما هو التأكّد من أنّها أصليّة. وإذا خضعت للترميم، فيجب أن يكون وفق القوانين العلميّة، وهو ما يندر إيجاده في لبنان. يقول جو طرّاب إنّهما رفضا شراء لوحة لداوود قرم (1852 ــــ 1930)، لأنّها لم تخضع للترميم بطريقة صحيحة، ما يجعل التأكّد من أصالتها صعباً جداً.
ولا يقتصر دور الغاليري على عرض هذه اللوّحات لتؤدّي دور «الميني متحف» بحسب طرّاب، بل إنّها تستكمل دورها بإصدار «كتالوغ» خاص بكلّ معرض تقيمه، متوافر للزائرين المهتمّين، يحتوي على جميع اللّوحات المعروضة، مرفقة بنصوص كي يكون لها دور المرجع إلى جانب الموقع الإلكتروني للغاليري.
وبينما يتحفّظ بركات على الحديث عن تمويل الغاليري، يؤكّد طرّاب أنّ التمويل ذاتي، سيكون لاحقاً من حركة بيع اللوّحات وشرائها. ويرى بركات أنّ موقع «مقام» في قلب العاصمة بيروت، «يُظهر أنّ هذا المشروع يدافع عن لبنان، وأنّه لكلّ اللبنانيين». ويتوقّف طرّاب عند فكرة تجمّع الغاليريهات في بقعة واحدة ـــ كما هي الحال في حي الصيفي المستحدث في منطقة سوليدير ـــ ويرى أنها أمر إيجابي، يعيد إلى البال صورة السوق... وبيروت ما قبل الحرب التي كانت مؤلّفة من أسواق عدّة. بزيارة واحدة إلى هذه المنطقة، يستطيع متذوّق الفنّ أن يرى أكثر من معرض. وحسب طرّاب الذي واكب الحركة الفنية منذ 35 عاماً، ويُعدّ من أبرز نقاد الفن عربياً، فإنّ هذا المشروع خطوة مهمّة له كعامل في مجال النقد. فالناقد الفنّي، وخصوصاً في الغرب، يتولّى مهمّة تنظيم المعارض، كما أنّه يمكن أن يمارس عمله كناقد عبر توزيع اللّوحات على الجدران، وتأمين انسجامها بما أنّ كلّ واحدة فيها هي لفنّان مختلف... ويضيف إنّ مهمّته الحرص على إبراز كلّ لوحة من دون أن تزعج جارتها أو تطغى عليها.