حليم حبشي يستوحي أفكار لوحاته من موسيقى مالر |
المقاله تحت باب مقالات "بعث"، هو الإسم الذي اختاره الفنان المصري الكبير حليم حبشي لأحدث معارضه الذي أقامه مؤخرا في أتيليه القاهرة وضم عددا كبيرا من أعماله المرسومة بخامة الألوان الزيتية استعرض من خلالها بعض تأملاته في الحياة والمجتمع والعلاقة بين الرجل والمرأة. وأعمال الفنان حليم حبشي من هذا النوع الذي ينقلك إلى عالم أسطوري وأجواء بين الحلم والحقيقة ويدفعك إلى الوقوف أمام أعماله بعين المتأمل، فكل تفصيلة تحمل معنى وكل عنصر من العناصر والمفردات التي يستخدمها في هذه الأعمال تحمل أكثر من دلالة ورؤية. والفنان حليم حبشي من مواليد عام 1931، وتخرج من كلية الفنون الجميلة عام 1954، وعلى الرغم من كونه مقلا في معارضه الخاصة إلا أنه فنان يتمتع بمكانة واحترام من قبل متابعيه لما تتميز به تجربته الفنية من صدق وانحياز إلى قضايا المجتمع وهمومه.
حين التقينا به بين أعماله المعروضة في أتيليه القاهرة سألناه في البداية عن مغزى هذا العنوان الذي اختاره لمعرضه وانعكاساته داخل الأعمال فرد مبتسما:"قد يكون هناك مغزى معين، لكنني لم أقصده، فالعنوان قد اختاره لي أحد الأصدقاء بعد حديث طويل بيني وبينه عن هذه التجربة، ولقد اختار للأعمال هذا العنوان بالذات بعدما علم أني كنت أستمع أثناء عملي لإحدى المقطوعات الموسيقية للموسيقي النمساوي "جوستاف مالر" وهي بنفس العنوان "بعث" فما كان منه سوى أن فاجأني بوضعه هذه التسمية على البوستر الذي أهداني إياه بمناسة المعرض، ولا أنكر أن التسمية قد أعجبتني خاصة أنني عاشق لموسيقى جوستاف مالر، لذا فأنا لن أدعي أنه أمر مقصود، لكنني في نفس الوقت أستطيع أن أزعم أن هذه الموسيقى كانت أحد المؤثرات الهامة التي حركت مشاعري أثناء عملي في هذه التجربة المعروضة الآن". حليم حبشي هو فنان مخلص لفنه ولعمله إلى درجة كبيرة، وربما أدى به ذلك الإخلاص الشديد إلى إهمال جوانب أخرى يراها البعض هامة بالنسبة إلى الفنان كطرح نفسه على المستوى الإعلامي والنقدي على سبيل المثال وهو الأمر الذى يرى فيه البعض قصورا لا يتناسب مع تجربته التي تتسم بالرسوخ والعمق، فما هو رأيه الشخصي في كل هذه الأمور؟، وهل يدرك حقا أن هناك تقصيرا ما من جانبه؟ أم أن الأمر خارج عن إرادته؟ يقول الفنان: "أنا أعتقد أن أي فنان لابد ألا يلتفت إلى أي شيء آخر سوى فنه فقط، فالفن هو وسيلته للتعبير والوصول إلى الناس، والتجربة الصادقة لابد أن تتخذ سبيلها إلى قلوب الناس مباشرة مهما كانت الظروف المحيطة بصاحبها، وإذا كان هناك أي تقصير فيما يخص الإعلام أو النقد فهو تقصير من جانب القائمين على هذه الأمور وليس تقصيرا مني، فالفنان من وجهة نظري غير مطالب بالهرولة خلف وسائل الإعلام وأصحاب الأقلام من أجل تلميع نفسه، كل ما عليه هو أن يمارس إبداعه بكل صدق وإخلاص، حينها سوف لايحتاج إلى كل ذلك وبدلا من أن يسعى خلف وسائل الإعلام سوف يسعون هم وراءه. في أعمال الفنان حليم حبشي كثير من المفردات والعناصر المرتبطة بالمرأة، فماذا تعني المرأة بالنسبة إليه وللفنان بشكل عام كرمز ودلالة؟
"المرأة كائن جميل مليء بالدلالات والإيحاءات المتعددة، وتختلف هذه الدلالات والإيحاءات من شخص لآخر حسب الثقافة والمجتمع والبيئة المحيطة، ففي حين ينظر البعض إلى المرأة من منظور حسي تجد البعض الآخر ينظر إليها من منطلق وجداني وعاطفي كرمز وشريك في الحياة، والفنان عادة ما يميل إلى التفكير في المرأة من خلال هذا الجانب الوجداني، وهو حين يضعها كعنصر في داخل اللوحة فهو يعني أشياء كثيرة، وبالنسبة إليّ هي تمثل الأم والحبيبة والزوجة والإبنة، والخير والعطاء والجمال والدفء وغيرها من المعاني التي لاحصر لها، والتي ندر أن تجتمع في أي شيء آخر غيرها بهذه الكثافة والقوة والوضوح".
وهل يهتم الفنان حليم حبشي بتضمين أعماله مثل هذه الدلالات والرموز عادة؟ "أنا لا أتعمد الإتيان بأي دلالات أو رموز، فالرموز تتكون على سطح العمل وفي المخيلة من تلقاء نفسها معتمدة على الخبرة الشخصية للفنان والمخزون الفكري والثقافي له، وهي مسألة لابد أن تحدث بتلقائية شديدة، لأن التعمد في مثل هذه الأمور من الممكن أن يقذف بتجربة الفنان إلى متاهات التصنع والتسطيح، لذا فالفنان مطالب دائما بصقل خبراته المعرفية والإبداعية والانفتاح على ثقافات الآخرين، وكذلك تلمس الجمال في وسائط الإبداع المختلفة، وهي كلها أمور كفيلة بإثراء تجربته والنأي بها عن التسطيح والتصنّع. |