معرض هاروتيون هاغوبيان في صالة ماتوسيان اشتباك أزمنة

المقاله تحت باب  نقد
في 
23/02/2009 06:00 AM
GMT



اختار الفنان الآتي من أرمينيا هاروتيون هاغوبيان أن يجمع في لوحته تاريخ الفن، يجعل المراحل متجاورة مرة ومتداخلة مرة أخرى، كأن يقترب من عصر النهضة أو يذهب إلى السوريالية أو إلى واقعية جديدة أو إلى التجريد... يلعب بالمرحلة، فيُدخل عليها تعديلات، أو يحرفها عن طبيعتها، أو يجتهد في تحديثها. إلا أنه يعمل كل ذلك بكثير من التأنق اللوني وتجميل المساحة وإضاءتها.

يعرض هاغوبيان، في صالة ماتوسيان التابعة لجامعة هايغازيان، القنطاري، لغاية 16 شباط الجاري، 38 لوحة بأحجام مختلفة، وبتقنيات تتوزع بين الزيتية وتداخل المواد، وهو في الأخيرة، يُدخل تقنية الطباعة الليتوغرافية، كما يدخل الطباعة الحفرية، ليضعنا أمام مهارات مهنية، تبدأ بإظهار براعته في الرسم الكلاسيكي التشبيهي، ولا تنتهي ببناء لوحة على قدر عالٍ من التأليف والهندسة البصرية، حتى عندما يكسر سياق اللوحة، في اتجاه جمع المتناقضات الشكلية والأساليب، ويدخلنا في جو من الفضاءات السحرية، التي يعتمد في توليدها على خصب المخيلة، وإطلاق العنان لآلية اللاوعي السوريالي، مقترباً من روحية أعمال البلجيكي رينيه ماغريت، حتى أنه يتفق معه في الاهتمام بأن تكون اللوحة ممتعة للناظر بشكلها وألوانها، وإن كانت على درجة عالية من الالتباس.
التباسات

وبالفعل، نحن نقف طويلاً أمام التباسات وجود سمكة طائرة، أو كلب يقف في غير مكانه وبغير خصوصياته، ثم وجود حمار الوحش، مثلاً، في مبنى مقنطر فخم وجميل. لا نجد تفسيراً للكثير من تلاقي العناصر المتضاربة في لوحة واحدة، ولا يسعى الفنان نفسه ليقنعنا بشيء محدد، كأنه يستعير كل هذه الحيوانات والناس والأشياء، لتكون مشاهد بصرية، يستفيد من هيئتها وحركتها وألوانها في تقديم متعة. على الأرجح، هو لا يريدنا أن نفهم شيئاً عندما يجمع المشهد الكنسي، أو المشهد المنزلي النهضوي، أو مشهد العري مع أي شيء آخر، بآلية تخييلية عفوية. هو لا يريدنا أن نتعب في فك الألغاز، بقدر ما يريدنا أن نستمتع، ونندهش، ولا يريد أن يثيرنا بمشهد العارية بقدر ما يحوّل جسدها إلى محطة جمالية. وأحياناً يريد أن يصدمنا ببعض المفارقات، فالتفاصيل قد تكون بسيطة جداً وواضحة، لكن العلاقة بين الأشكال هي التي تبدو مفاجئة، إذ تقف المرأة أمام المرآة فترى أمامها هيئة أخرى، مانيكان مثلاً، أو أشكالاً مجردة، أو ربما شجرة، وإلى ما ذلك من تخيلات حلمية. حتى أن الأشخاص يقفون في اللوحة دائماً كأنهم أمام مرآة، أو أمام عدسة تصوير.

يستحضر هاغوبيان التاريخ ليصدمه بالحاضر، ويستحضر الموت ليصدمه بالحياة، ومع ذلك فهو بعيد كل البعد عن كابوسية السورياليين وتوترهم، وبعيد عن الأحزان، في وقت لا نجده ميالاً إلى تعبيرية مضاعفة أو تأثيرية مفتعلة. هكذا تمر المشاهد المتصادمة بهدوء، حتى لو صخبت الألوان مرة وبدت حامية، كأن هناك ما يوازنها في اللوحة ويخفف حدتها.

نحن أمام لعبة فنية، فاللوحة الواحدة تستطيع أن تجمع أزماناً مختلفة في لحظة واحدة. أو تجمع أمزجة متضاربة في مزاج لا يخلو من الطرافة.