هاني راشد يختار رسوماته من الصورة الصحافية الخبرية |
المقاله تحت باب معارض تشكيلية في معرضه المقام حالياً في قاعة مشربية في وسط القاهرة، يطالعنا الفنان هاني راشد برؤية مغايرة لما اعتاد متابعوه مشاهدته في معارضه السابقة. فقد تخلى الفنان عن الأسطح الورقية والصور الفوتوغرافية التي كان يرسم عليها، مستبدلاً إياها بقماش التوال. كما امتد التغيير إلى مساحاته، فصارت أكثر رحابة واتساعاً عن ذي قبل. لكنه ظلّ محتفظاً بالمشهد البصري كما نراه على صفحات المجلات، ظل مرتبطاً بالصورة الفوتوغرافية وخصوصاً الصحافية منها. هذه الصورة كانت محور اهتمامه في الفترة السابقة، لما رآه فيها من بساطة وتلخيص وما لها من اهتمام مغاير للمشهد أو التكوين المرسوم. وهذا خلافاً لقدرتها على اقتحام العقول وتغيير المفاهيم والقناعات.
وراشد فنان مصري شاب كان له طريقة خاصة في التعامل مع المساحة التي يرسم عليها. فهو لم يكن يرسم على القماش أو الأوراق البيض كما يفعل الآخرون، بل كان يرسم على الصور الفوتوغرافية. وعلى رغم أنها طريقة باتت معروفة ومنتشرة، احتفظ هاني راشد بأسلوبه المميز في التعامل معها. ابتكر راشد شخوصه بنفسه. كان يرسمها متفردة خارج إطار العمل، ثم يبحث بعد ذلك عن الأجواء المناسبة لهذه الشخوص بين مشاهد الفوتوغرافيا المتوافرة لديه والتي عادة ما كان يلتقطها بنفسه ويطبعها بالمقاسات التي يريدها. وهو غالباً ما كان يستخدم الصور المطبوعة بالأبيض والأسود وهما اللونان اللذان اقتصرت عليهما رسوماته التي كان اللون فيها يظهر خجولاً أحياناً. هكذا كان ينشئ أعماله، وهكذا عرفه متابعوه لسنوات. لكنه في معرضه الذي أقامه في السنة الماضية فاجأنا بأعمال توقف فيها عن استخدام درجاته المحايدة التي عرفناه من خلالها. فعلى عكس المعتاد كانت الأعمال المعروضة تزدحم بالألوان ودرجاتها القوية. لقد كان اللون هو الهاجس الذي كان يهرب منه ويتحايل عليه أحياناً كثيرة، أما هنا فقرر أن يواجه هذا الهاجس وأن يكسر الحاجز الذي يحول بينه وبين اللون. بدأ راشد يجرب الرسم باستخدام ألوان الأكواريل والزيت وغيرها، كما جرب استخدام الكولاج. وعلى رغم هذا، لم يسترح لكل هذه التجارب التي خاضها مع اللون، إلى أن اهتدى أخيراً إلى هذه الطريقة التي طالعنا بها في معرضه آنذاك، وهي طريقة لا تبتعد كثيراً من السياق العام والأسلوب الذي تعرف الناس اليه من خلالهما. لقد استعان بأوراق المجلات القديمة، إذ أخذ ينتقي منها الصور والمشاهد الفوتوغرافية المناسبة ليرسم عليها، يكرر الأشخاص والعناصر ويعيد بناء العلاقات بين المفردات الموجودة داخل المشهد، تبعاً للمساحة والفكرة المواتية. استحوذت هذه الطريقة اهتمامه وتولدت من خلالها العديد من الرؤى والأفكار المتسارعة. ومن هنا بدأ اهتمامه بالصورة الصحافية، غير أن الأشخاص الذين رسمهم هذه المرة على مساحة الفوتوغرافيا لم يعودوا هم الأشخاص الذين نعرفهم ونراهم يومياً في شوارعنا وقرانا ومقاهينا. صارت الأجواء التي يعيشون فيها مختلفة. تعمّد أن ينتقي مشاهد يغلب عليها الطابع الغربي، والشخوص المرسومة هي لأناس غربيين أيضاً، لكنهم كما لاحظنا يفتقدون إلى الملامح، لقد تعمد أن يطمس ملامحهم ليؤكد الفكرة التي يريدها. أراد راشد كما أسرّ لـ«الحياة» أن يظهر الوجه الآخر للغرب: «متأنق ولامع وشديد الجاذبية، لكنه يفتقد الروح والملامح والأحاسيس». كانت هذه الفكرة المسيطرة عليه حين أنجز تلك الأعمال المعروضة. فقدم أعمالاً فنية بسيطة وغير معقدة ولا تحمل كثيراً من التفاصيل في تنفيذها، كما كانت تروقه فكرة تحويل الأشياء المهملة إلى أشياء أخرى لها قيمة. وهذا المعرض يأتي في سياق اهتمام راشد بالصورة الصحافية، لكن اهتمامه هذه المرة كان منصباً على تلك الصورة الخبرية المرتبطة بالأحداث الجارية على الساحة مسلطاً الضوء على القوة التي تتمتع بها تلك الصورة، ومحتفظاً في الوقت ذاته برؤيته الخاصة في توظيف العناصر والمفردات والأشكال، وصياغاته للتكوين والمساحات ودرجات اللون. واللافت أن المشهد الأخير للرئيس الأميركي جورج بوش والحذاء الذي ضربه به الصحافي العراقي منتظر الزيدي، كان حاضراً بقوة ومثيراً للكثير من ردود الفعل والتعليقات. القاهرة - ياسر سلطان الحياة |