احمد اللباد : الغلاف بأعتباره مقترحا ثالثا لكتاب !! |
المقاله تحت باب مقالات ( الى صديقي محي الدين اللباد .. لرؤية السنوات )
بنزوع بصري ، وجمالي غامر يتأمل المرء تفاصيل حياته فتطل يد المصمم وقد اشتغلت برهافة على نحت كل منحنى .. وعلى ترويض كل جزء وعلى تكييف كل اداة حتى لتبدو حياتنا بأجمعها من صنع ذلك المصمم الشغوف بنا والمشغول بوظائف حياتنا ووسائلها . لقد كان المصمم من قبل يختفي خلف المشروع ويظل مجهولا .. لكنه منذ اواخر القرن الأخير صار يتقدم المشروع دائما بل صار المصمم يمثل هوية المشروع ويقيم وعينا الفني وادراكنا لماهية المشروع واهميته .. وهكذا عرفنا مصممين امثال فينتوري وزها حديد و بيري كنغ ويوحنا غرواندر وجيمس ايرفن وميشيل دو لوتشي وايتوري سوتساس .. وغيرهم من مصممي عصرنا الراهن في العمارة والأثاث والمطبوعات والكتب . وفي( وجوه الكتب ) ، العنوان الذي يقترحه احمد اللباد لمعرضه لأغلفة الكتب التي صممها – القاهرة 2009 ، يؤنسن المصمم الكتاب يجعله يتحرك مثل مخلوق ، يطلق على غلافه سيكولوجيا لتواصل حميم او قطيعة مؤكده مع المتلقي . انه يعرف ان لغز الغلاف له ماض ، هو النص ، مثلما للنص ماض هو المؤلف ولذلك يدحض المصصم اية سلطة غير هذين النظامين بأعتبارهما صورة لنظام آخر هو الغد الذي ينجز فيه غلاف الكتاب .. وعند احمد اللباد ، كما تشي تصميمات الأغلفة التي انجزها ، ان المؤلف يغادر المكان اثر انتهاء مسودته ليقع في منطقة الأنتظار والتأمل .. فيما يرى الناشر الى المسودة الأولى ككتلة منجزة صمّاء داخل المطبعة او في مخازن التوزيع ..او كرقم آخر يمضي داخل قوائم رقمية .. فيما يرى المصصم الى حيوات الكتاب ومضامينه ورموزه كمفاتيح لعملية بصرية تشكل مقترحا ثالثا للكتاب هي رؤية المصمم للكتاب بين يدي انسان . ولما كانت مهمة المصمم جعل وسائل حياتنا اكثر قربا منا و رواجا وحميمية ازاءنا فأنه يبتكر نصا آخر على مساحة الغلاف هي ليس نقلا آليا للنص او اجتزائه بل انها مجموعة الرموز والموتيفات والعناوين بأعتبارها نصا مكثفا وموحيا للكتاب امام مقتنيه .. نحن .. قد يقيم قطيعة او يؤسس علاقة . * كان المصصم المصري احمد اللباد (1967 ) قد درس فن الغرافيك في كلية الفنون بالقاهرة ، وبقي منذ اواخر الثمانينات يشتغل على مشروع تصميم المطبوعات ، والكتاب خصوصا منذ اكثر من عقد من الزمان. وتصاميم الأغلفة ال 500 هي تدوين لسيرة مختلفة للكتاب العربي ، ملامسة حية لقشرة التصميم القائم لكي يتغير الفهم اذ ان الوعي لايعني اعادة عرض الماضي من تجارب التصميم مهما كانت الأسماء والتجارب التي تختفي وراءها . لذلك يمضي هو ليعطينا شحنة مختلفة لحوار جديد حول فن تصميم الكتاب ..والدلالية التي في الأغلفة التي عرضها احمد اللباد هي علامات تذكّر يوم يلتقط القاريء صورة النص في ومضة، ان الغلاف هو اعادة بناء ، مسلك حفري للنص يوجز مفردته في لمحة بصرية . هذا التفكيك الأيجابي الذي يشتغل عليه احمد اللباد هو تأسيس لفكره مغايره : الغلاف على انه نص ثالث . وخلال عمله مع دار ميريت وهي دار تعنى بنشر الكتابات الجديدة ، وتجربته مع دور اخرى يتخطى احمد اللباد حدود الماضي المرسومة للغلاف ذو اللون الواحد او اي شيء آخراعتمد من قبل لمجرد ان يكون غلافا لكتاب كما درجت المطبعة العربية ان تفضي و ..- الكتاب من عنوانه – لم يعد ذلك محتملا في زمن تشتغل فيه مؤثرات نفسية وبصرية وفنية على توثيق صلة المتلقي بالمنجز الثقافي المهم : الكتاب .
وكنت اقتنيت من قبل بضع روايات تمثل الكتابه الجديدة في مصر ، هدوء القتلة ولصوص متقاعدون وفيرتيجو وغيرها من الروايات وهي كتب لأسماء واعده في الرواية المصرية كما يفعل ذلك ايهاب عبد الحميد وايهم الطوخي وطارق امام وحمدي ابو جليل وآخرون . كانت لمسة المصمم على ملمح الكتب تغير معايير الأحساس بكتلة الكتاب وهويته . نوع من التماهي المكثف في نص مجهول لكنه نص موح بالغواية والأقتناء .. تجربة وجوه الكتب في معرض تصاميم احمد اللباد في القاهرة تكريس لحوار مغاير حول دور التصميم في اثراء حياتنا برؤية لمّاحة واختيار لايخطيء في قرار بصري اكيد. |