خلود الزوي : رنين خاص يرسم لحظة اللون |
المقاله تحت باب مقالات نحن أزاء رسامة تمنح القـفـر خضرته .. وثرائه اللوني ..
و هي التي درست و اتقنت لسنوات فن الموسيقى اختصاصا وتأليفا وتدريسا ، تحّول تلك الروح الميلودية الى دفق لوني مفاجيء يختصر تجربه طويلة ربما يمر بها آخرون مثل رحيل لاينتهي – وسنرى ان تجربتها في الرسم ليست طويلة - اذ ابتكرت نسقا يؤالف حلما شخصيا ، وانتقالا نحو تناغم لوني آخر وهي المؤلفة الموسيقية التي وضعت الشهادات والجوائز على رف الذكريات ، لتتشتغل على مشروعها التشكيلي بأصرار عجيب لتجتاز مسافة البدايات الأولى و تترجم نزوعا داخليا عميقا مليئا بالذكريات والتفاصيل والرؤى . هكذا هي الرسامة الليبية خلود الزوي ( 1975 ) وقد اختصرت الموسيقى .. مثلما اختصرت الطريق الى اللوحة .. اللوحة عند خلود الزوي ، تكوين بأصرار ، ونمط من خلق مبكر لكيان مركب ؛ اللوحة ومكوناتها ، الأسلوب ومضاداته و الرؤية .. ومخارجها .. – كنت اتساءل دائما كيف تسنى لخلود الزوي وقد انتقلت من الموسيقى الى الرسم عام 2005 ،فقط ، ان تحقق هذا الثراء اللوني ، والخبرة الأسلوبية .. نحن امام اعمال متقنه تشي بوعد معرفي - اقامت معرضها الأول 2007 ( عيون الآخر ) ومعرضها الثاني ستقيمه اواسط شباط –فبراير 2009 ( سرد الذاكرة ) وخلود الزوي الرسامة اليوم .. لم تبدأ بالطبيعة ، والصحراء المترامية ومواكب السراة او برسم الحياة الجامدة انما ذهبت الى تجريد مفعم بحداثه تكثف شيئا هو خليط خبرتها و ميلها الداخلي لتجتاز الأسئلة المقلقة للرسام ومعارفه وحضوره .. نحن ازاء رسامة تحمل مشروعا فنيا متكاملا .. وقراءة لوحاتها ، مرة اخرى سيضعنا ازاء حقائق لا اضافة فيها ولامبالغة في القول. * شغوفة ودؤوبة ومتابعة لتجارب الآخرين .. تختصر خلود الزوي التعريف بتجربتها .. وحين نمضي الى لوحاتها تفاجؤنا ارادة التنقيب ، والبحث ، اعادة بناء للماضي – لنقل الزمن المفتوح ، وتصويره عبر شبكة علاقات لونية ، وملامح اسلوبية .. وكأن الماضي يثمر نفيه عبر اعمال تؤرخه بأسلوب حديث ليؤسس غدا ممكنا . احلام مثل افق صحراوي ساكن .. في لوحات تضج بلغز دلالاتها التعبيرية .. ورموز تثمر فجوات في معارفنا لنتساءل .. ونتأمل كيف يكون الرسام ثريا وغير محدود من خلال اللون – الحرفة .. والرؤيا. خلود الزوي – تشّفر - لوحاتها وكأنها تبتكر نظاما مرمّـزا لتدوين رؤاها .. رسم يحدّق في خبراتنا ويستفزها .. يثير قشرة الوعي للمضي الى عمق المعنى وهي ترسم زمنا .. وتقترح كيانا لوجودنا العاطفي والنفسي . وعندما يجد الرسام في مرسمه ملاذه ومأواه ، وسط بيئة اجتماعية صعبة ، او بيئة معرفية معينه ، او اجتماعية محددة المديات ، فأنه يدحض قيودنا المعرفية ويفتحها على آفاق تنفي كل حد مقيد للعقل وبنيته . وأظن ان لوحات خلود الزوي تقول لنا اكثر من ذلك في الوانها ورقشها وخطوطها ومذهباتها وهي تحاول ان تمنحنا ثراء شرقيا . * الرسامة الليبية في مواجهة تناقض البحر اللانهائي .. والصحراء الممتدة منذ قرون التراب ، تبدد اي قطيعة مع ارث العقل المعرفي ومنتجاته الفنية والفكرية .. اي انها تربط عناصر المعرفة المتراكمة .. بل تمارس انبعاثات قزحية من تعدد لوني : الأخضر المقترح لبيئة قاحلة .. الأزرق المتدرج من نقطة البياض الى عمق التركواز الشذري بايحاءات شرقية ، الى الأصفر المستوحش المعزول والفرداني .. حيث يبتكر لنا تدرجات الأحمر المتدفق عبر رنين لوني .. متوزع على المساحات والكتل في انشغال خلاّق .. تلك الأنبعاثات التي تجعل لوحات خلود الزوي علامات تذكّر : هل تبني هي ذاكرتنا .. ذلك سؤال التقصي الفردي لكل متلقي وهو يبصر بطريقته الخاصة .. البعض في بيئتنا المعروفة يرمي السؤال هل هذه اللوحات تفيد بمعناها .. لكن الرسامة تقول انها لم تجد في غير التجريد طريقة لنقل ثراء الروح .. ومكنونات البصيرة .. ودلالات الذكرى . وأظن ان تلك الأجابة صعبة حين يكون العقل العربي غير قمين بوعي متغيرات المعرفة الأنسانية الفردية والعامة وتحولاتها ، او استيعاب طرائق ايصالها رسائل الوعي الجديد بكل تفصيل يشكل عالمنا الذي ينبني على البعدين السوسيولوجي والسيكولوجي بأعتبارهما طرفا معادلة الوعي الشخصي للأبداع ووسائلة الخاصة . لوحات خلود الزوي مليئة بعلامات الايحاء ، وايماءات التذكر ، وكأنها تستنطق خفايا ، وتعلن لغة رمزية لاتعطل العرض البصري ، لكن لوحاتها تشكل خزينا من الوعي لايريد ان يعيد الساكن والمحدود والمغلق .. انها بكل بساطة العبارة تريد ان تزيل عن العقل السكوني الجامد سلطة الماضي وحدوده المعرفية الضيقة .. ولذلك تخلق لوحاتها ارتباكات في معارف المتلقي الذي يريد من اللوحة منظرا لشجرة وماء ا يجري .. وافق لشمس تمضي في دورتها المكرورة .. هذا العقل سيظل متفاجئا امام مشروع الرسامة الليبية خلود الزوي وهي تعيد بناء كوننا المحيط .. في كتلها المفتوحة على افضية اللوحة تربط الرسامة بين مكونات الأسلوب .. وبين خصوصية التقنية اللونية .. ذلك التجريد الذي يستلهم خواص الشرق .. ويكرس انتمائه الى عصر مفتوح و مختلف ، توثقه الرسامة خلود الزوي .. لتغير فسحة الرؤيا..
وتقترح مدارا لونيا لنبصر. |