المعرض التشكيلي الجديد الذي افتتح مؤخرا في دار الأندي بعمان يحمل خصوصية لافتة إذ اجتمعت فيه خمس تجارب من الشرق والغرب لفنانات معروفات، وتحمل كل تجربة خصوصيتها وفرادتها، وهي فرصة لعشاق الفن التشكيلي في الأردن لمحاورة هذه التجارب والاطلاع عليها، وقد جاء المعرض تحت عنوان "شرق وغرب "وكتب مادته النقدية التعريفية بهذه التجارب الناقد والتشكيلي الأردني محمد العامري، أما الفنانات المشاركات فهن: د. آمنة النصيري من اليمن، برانكا ريديكي من كرواتيا، هيلدا حياري من الأردن، نادين بورغن من فرنسا، سيلفيا بولوتو من البرازيل. وقد شهد حفل افتتاح المعرض حضور الفنانات المشاركات عدا سيلفيا، ومن الواضح في هذه التجارب انها تعكس خصوصية كل فنانة وسعيها لترسيخ اسلوبها الخاص،وألوانها، ومعظمها جاءت أكريلك وزيتاً علي القماش في أحجام متقاربة.
آمنة النصيري صاحبة تجربة طويلة في الرسم والتلوين وفي التنظير الفني وتقول سيرتها بأنها مواليد اليمن وحاصلة علي شهادة الدكتوراه في الفنون من جامعة موسكو عام 2001، وهي تدرس حاليا بجامعة صنعاء ولها معارض شخصية كثيرة في برلين وصنعاء إضافة إلي عشرات المشاركات في المعارض الجماعية العربية والدولية ومن يشاهد أعمالها يدرك تلك الواقعية السحرية التي تؤلفها عبر منظومة اللون والأشكال النباتية والحيوانية، وهي تستفيد بشكل كبير من التراث البصري الغني الذي يحيط بها،ومن الواضح انها شكلت عبر مسيرتها حضورا عميقا وخاصا في المشهد التشكيلي العربي. يقول العامري عن تجربتها " فنانة مسحورة بالحيوانات الخرافية تلك الأشكال السحرية التي تبدت في الثقافة الشعبية اليمنية والتي أصبحت موضوعة رئيسية في أعمالها حيث تتراكم وتتحلق حول دائرة أو مربع كما لو أنه الطلسم الذي يطرد الشر فينا، فكانت الحياة النسيجية في طبيعة تكويناتها التي تمتلك ترددات العناصر الحيوانية والطيور من خلال اصطفافية عمودية وأفقية لتملأ سطحها التصويري بمناخات تجمع بين الأصالة والمعاصرة. مناخات تتحرك عبر البني الاجتماعية في المنطقة العربية عامة والجغرافيا اليمنية تحديدا لتصبح تلك المفردات هي الثيمة الرئيسية في بناء عملها الفني المبني علي نسج مشهدياتها الطفولية والمفردات السحرية التراثية لتؤسس علائق مهمة بين عملها والمشاهد إلي جانب تقتيرها اللوني الأقرب إلي البنائية الغرافيكية ( المونوتون) مما أعطي عملها تلك الخصوصية الآتية من المرجعيات الشعبية والوثنية القديمة".
أما الفنانة الكرواتية برانكا فتبدو صاحبة خبرات متعددة، فهي كاتبة ومنتجة للأفلام الوثائقية وقد حصلت علي شهادة البكالوريوس في الأدب واللغة الايطالية من زاغرب، وسبق أن أقامت وعملت في كولومبو، سيريلانكا، أمريكا، وأخيرا في القاهرة،حيث أقامت بعض المعارض الخاصة. ويبدو انشغالها في لوحاتها علي الحروفية اللاتينية علي سطح اللوحة عبر كتابات تشبه الرسائل محاطة باللونين البني والبرتقالي بشكل خاص، وتجربتها كما جاء في مطوية المعرض "تنتظم في تحويل الفعل الكتابي إلي فعل بصري، كما لو أن أعمالها رسائل تريد قولها من خلال حركة اللون وتجليات الأحرف اللاتينية وصولا إلي العبارات المقروءة، فهي محاولة لاستحضار الجدار وتجلياته الجمالية والنفسية وصولا إلي تحققات الزمن في السطح التصويري عبر تعتيق المناخ اللوني نفسه، فأشكالها الممزوجة بين التجريد والفعل الكتابي مساحة تؤشر علي موضوعة تتجلي فيها المذكرات العامة والخاصة، حيث نري تلك الأعمال كما لو أنها دفاتر قد حملت ذكريات المارة وأحلام العشاق والتفاصيل الذاتية للفنانة من خلال تساؤلاتها التي تدور في خلد النفس، ففي بعض المرات نجدنا أمام تماه بين تآكلات السطوح وبين أثر الكتابة عبر لغة تجريدية تنتمي إلي لغة كهفية قديمة وفي مرة أخري يتحول السطح التصويري لديها إلي مناخ كتابي كامل من الممكن قراءته كوثيقة تجمع ما بين القراءة والفعل الجمالي المتمثل بالرسم، كذلك حققت الفنانة مجموعة من الحلول المتمثلة بجرح سطح اللوحة بخطوط قلقة تربط بين مساحة تجريدية وأخري كعلامة رابطة تحقق متانة البناء وتحولات العناصر المطروحة في اللوحة" .
من الأردن تشارك الفنانة هيلدا حياري وهي فنانة نشيطة حققت حضورا مميزا علي المستوي المحلي والعربي وفازت بجوائز دولية أيضا، وهي حاصلة علي شهادة جامعية في العلوم السياسية وأخري في الفنون، ومشاركة نشطة في المعارض العربية والأجنبية وعضو أكثر من جمعية وملتقي للتشكيل، أقامت عددا من المعارض الشخصية وشاركت في العشرات من المعارض الجماعية ولها اهتمامات واضحة في مجال الفيديو آرت،تبدو لوحاتها الأخيرة مثل دوامات أو مجرات في فضاءات سوداء وصفراء،وهي تواصل تجربتها السابقة ويبدو أنها في هذا المعرض قد وصلت ذورتها الجمالية والموضوعية وآن الأوان لانطلاقة جديدة لها .
يقول التشكيلي العامري عن لوحات هيلدا "في هذه التجربة نجدها تتحرك في بحث دؤوب عن مناخات سماوية أشبه بسدم كونية مبقعة بضوء النجوم، تلك العناصر السماوية التي أصبحت سمة من سمات تجربتها كعناصر وبناء يبدأ بالانفعال وينتهي بتنظيم الجرعة الانفعالية في مسارات متطلبات العمل الفني، فتعبيرية الدائرة وتناثر النقط وانتشارها الانفجاري جعل من لوحتها مساحة من الحيوية وامتلاكها للحركة الفاعلة والمؤثرة علي المشاهد، فالدائرة تتسع لتأخذ مكانتها البصرية في فضاء السطح التصويري بل أصبحت تحتل الجزء الأكبر من مساحة اللوحة لتأخذ في مداراتها مجرات من النقط وتراشق النقط وانحناءات الخطوط كما زوبعة لونية عاصفة تتحرك بسرعة هائلة متناغمة مع حركة الكون نفسه" .
من فرنسا جاءت الفنانة نادين بورغن وهي قد تعلمت الرسم بشكل ذاتي وبدأت تجربتها منذ التسعينيات وسبق أن أقامت عددا من المعارض الشخصية والجماعية ولوحاتها تهتم بالتجريد في موضوعاتها لكن الأشكال البشرية تبدو جلية لمن يدقق النظر إليها، ومما كتب عنها نقرأ "تقدم تجربتها الفنية بصدق الإنصات إلي يد القلب تلك اليد التي ترتبك في بلوغ القول عن مسميات الموضوعة المطروحة فنجدها قد حققت مساحة مهمة في التعبير عن عواطفها في تلوينية تتجاور فيها الألوان المتناقضة ضمن إحساس منسجم مع فهمها لطبيعة العمل حيث يبدأ عملها بانفعالية التلوين والمساحات الموزعة علي السطح التصويري لتقوم فيما بعد بتنظيمها وربطها بنسيج الخطوط الموصلة إلي تلك المساحات حيث نشهد الخط الموصل بين مساحة وأخري والذي يمر عبر دوائر غير منتظمة لتمسك بانفعالية اللون وتهدئه عبر نظام بصري مهم كما لو أنها تحاول استرجاع يد الطفل واستدراج حالاته الأولي في الخطوط التي أعطتها أهمية من نوع آخر كونها خطوطاً طازجة تعبر عن حالة الإنصات إلي العاطفة بل ذهبت أبعد من ذلك في المزج بين الرسم والكتابة واستحضار المهمل من الخطوط وأثرها الجمالي في الأعمال الفنية تلك الخطوط المتحققة بأكثر من أداة كالرسم والخدش،فنانة تمتلك خاصية المغامرة في إطلاق أحاسيسها في مناخ اللوحة غير مكترثة بالتنميق غنائية وعرة تجتاح النفس لتؤسس علاقة تصالحية بين العمل والمشاهد..".
وأخيرا نمر إلي تجربة الفنانة سيلفيا بولوتو وقد ولدت ونشأت في البرازيل ولكنها تعيش وتعمل في أمريكا، وحاصلة علي ماجستير في إدارة الأعمال، وسبق لها أن أقامت عشرات المعارض الشخصية، وشاركت في معارض جماعية أيضا، وتبدو لوحاتها محتفية بالتجريد كأسلوب، وبالألوان الحارة الحمراء والبرتقالية والزرقاء بشكل أساسي مع بعض التخطيطات علي سطح اللوحة يري الناقد العامري بأن أعمال سيلفيا "وجدت طريقها إلي أسر العين عبر صفاء اللون وسطوعه في خلفيات أعمالها حيث نشهد صراحة اللون التي ترتكز عليه العناصر البسيطة والقوية والتي تتمثل في فكرة حركة الخيوط في دولاب موسيقي ينتمي إلي الحركة الدؤوبة في الخطوط وموسيقاها اللينة حيث تسترخي تلك الخطوط بدلال علي ألوان صافية وصريحة، كما لو أنها تتحرك علي أنغام نبع لا يهدأ لنجد ليونة الخط وتحولاته الشكلية من الميلان إلي الدوائر المتشابكة إلي انثيالاته في جسد اللوحة كما لو أنه راقصة تترنح بدلال إيقاعها. خطوط مؤنثة مسحوبة بليونة اليد وقوة التعبير في كل مساحة تتواجد فيها لتشكل علامات بصرية تقودنا من مكان إلي آخر في فردوس اللوحة والغريب أن سيلفيا استطاعت ان تجد حلولا قوية في جمع الألوان الباردة والحارة حيث يتمظهر اللون البارد في مساحات مليئة بالحرارة والقوة كمرتكزات للتوازي وكسر استاتيكية البناء لذلك جاءت تجربتها كمادة حيوية تجمع بين قوة العمل الفني ومتعة المشهد ذاته فأعمالها بمثابة شرك يصطاد العين ليدخلها في مزاج فردوسي لذيذ" .
|