رسام ونحات معروف. أقام ما يقارب الثلاثين معرضاً فردياً. شارك في 52 معرضاً جماعياً في لبنان والوطن العربي. لوحته ترغب في انزال الآلة عن عرشها في صالح التعبير. الآلة لديه أداة فقط. لوحته تسترجع السلطة من الآلة. اقامة محترفه الجديد في مزرعة يشوع، هي رغبته الجامحة بالتواصل بالآخرين الذين يبحث عنهم في كل مكان، بينما هو موجود فيه. إنه هنا، يجابه النتائج الحتمية للصورة الجديدة التي ترسمها العلوم عن الطبيعة والحياة والوضع البشري. أمله الدائم اعطى حياته معناها الدائم. لذا اقام محترفه في بيته القديم، بيت ابويه المرمم. حلمه بالغد الافضل صبره وهو في طريقه الى اعتقاده القديم الجديد: ان للفنون طابعها الفريد. لذا، تستحق ان يدافع عنها. وها هو يدافع عنها في معرض دائم، يغير لوحاته كل سنتين مرة واحدة. حول المعرض وقضايا أخرى التقت “الخليج” الفنان مارون الحكيم في محترفه في مزرعة يشوع. اقامتك لهذا المتحف، هل هي جزء من خطة طريق هادفة الى تعويض غياب متحف وطني يقتني اعمال الفنانين اللبنانيين التشكيليين؟ دعني أوضح اولاً. ما اقمته في مزرعة يشوع ليس متحفاً، بل بيت - محترف. أرسم هنا. واعلق هنا. انه بيت اهلي. بيت امي وابي حولته الى محترف. وطالما ان ثمة متسعاً من المساحة، فإن البيت سرعان ما اضحى مساحتين. مساحة للرسم هي المحترف. ومساحة للعرض هي البيت. ولو ان المساحة كلها هي مساحة البيت الابوي القديم الذي اعدت ترميمه رويداً رويداً. عدنا الى المتحف. أنت تنفي اولاً. ثم تؤكد. انه محترف لي. وهو متحف لي. ليس متحفاً استجلب اليه اعمال الفنانين التشكيليين اللبنانيين. ابداً، المشروع اصغر من هذا. انه بكبر طموحي الشخصي. متحف لك. هذا يؤكد غاية ما. هذا يعزز غاية. فكرت دائماً: انه في غياب المتحف الوطني اللبناني، لو يقيم كل فنان متحفه الخاص. تصور: متحف مارون الحكيم في مزرعة يشوع. متحف جان خليفة بالبترون. متحف حسن جوني بالجنوب. متحف رفيق شرف في بعلبك. متحف كذا في بيروت. متحف كذا في الجبل. عندها تربط تلك الطبيعة المتحف بالحضارة الكبرى، الشاملة. وهي سوف تربط نفسها بانسانها. انه التفاعل وتأثيره المتبادل بين سلسلة من المسائل الاقتصادية والاجتماعية والسياسية. تتجسد الفكرة هنا: وضع مخطط عام. او الوصول الى مخطط عام من خلال مجموعة المبادرات الفردية الضرورية. لابد من الكشف عن ثروة لبنان التشكيلية. لا بد من الكشف عن تراثه. عندي: لا طريقة سوى ذلك. سوف يبني التناقض عندها وحدة الطبيعة والمجتمع الانساني بزاوية حادة. وطالما ان المشكلة في لبنان هي مشكلة المدن الكبرى وغياب السياسة الحكومية الواعية تجاه الموضوع هذا، يسير التدبير هذا مساره. هو تدبير شخصي حتى الآن. وأتمنى ان يضحي تدبيراً جماعياً في المرحلة المقبلة. واحد من الاهداف اذن: إزالة الفوارق الموجودة بين المدينة والقرية في مجال الثقافة، في الطريق الى ازالتها في المجالات الأخرى. ما بنيته ليس الا نموذجاً مدنياً في منطقة قليلة السكان. هذه ولادة. هكذا أراها. هذا جزء من تنظيم. هكذا أراه. احببت ان أحققه وسط اجواء الخيبة والاحباط واليأس في لبنان. الديموغرافيا لعبت دورها عندي. اتمنى ان تلعب دورها لدى الآخرين. لأن المحترفات - المتاحف هذه، لن تلبث ان تتصل كما تتصل النقاط بخطوط وهمية وواقعية في آن. هذا قدر اللبنانيين. أن يلعبوا دور الدولة في غياب سياسة حكومية واعية حيال القضية هذه. لن تلعب الدولة الدور هذا، في سيادة الظرف الرأسمالي الوحشي في لبنان. هذه محاولة جمع بين الطبيعة الحقيقية وبين المنشأة الفنية، في الطريق الى الوصول الى طبيعة مؤنسنة. لن تعرض بعد الآن في الغاليريات اللبنانية. حللت ازمة علاقة الفنان بالغاليري. حيث يحسب اصحاب الغاليريات لانفسهم نسباً تصل في احيان الى ستين في المائة من سعر بيع اللوحة. لن ارفض العرض بالغاليريات. هذا لا يلغي ذاك. والعكس صحيح. اذا جاءت فرصة العرض في غاليري، لن أتردد. لا تضارب بينهما. لا تضارب بين النتاج والاستهلاك، طالما انك تفهم الاثنين، بحدود دوريهما. بالواقع: ينبغي ألا يدور الحديث عن التضاد بين الغاليري والمحترف - البيت او المحترف - المتحف الصغير. انا ضد الأحادية في النظرة، في الرؤية. لأنها غير مسؤولة تجاه الماضي والحاضر والمستقبل. ماذا يتضمن “المحترف - البيت” في مزرعة يشوع؟ تضم المعروضات مختارات من أعمالي خلال الفترة الزمنية الممتدة من عام 2000 الى عام ،2008 ونماذج تصويرية من أزمنة الضيق والألم واليأس وحبس الانفاس والبشر في أنفاق من الضياع والمتاهة. حيث أناس يهيمون في الفراغ الابيض تحيط بهم مساحات دكناء، وما لا نهاية له من المعاناة. الأعمال مصورة بالألوان المائية والاكريليك والزيت، بقياسات وأشكال مستطيلة توحي بامتداد الحالة افقياً وديمومتها عمودياً ونزولاً الى الهاوية 2002 وحتى 2005 إضافة إلى نماذج اخرى لأعمال تجسد الحرية والانعتاق لشعب منتفض بركاناً من فرط الاحتقان. وذلك بعيداً عن متاهات السياسة الضيقة والفئوية. متجنباً التسطيحات المجانية. ترفض أعمالي الانصياع لأي طرح سياسي. فهي تعبيرات فنية عن مواقف وانفعالات فنان يتفاعل مع شعبه ويتمنى لوطنه العزة والانبعاث في ولادة جديدة، حيث تصبح الاعلام المرفرفة بأرزاتها رمزاً من رموز احياء الامل والنشوة في النفوس الأبية.
|