التشكيل مواسم، مثل مواسم الطبيعة في كرها وفرها، خصبها ومحلها، وهذا ما ينطبق علي الحركة التشكيلية السودانية إلي حد بعيد.. فالمعرض التشكيلي السوداني الأول بالدوحة والذي جاء بعد مخاض طويل لملتقي التشكيليين السودانيين برهن علي أن الإبداع الحقيقي لا ينطفئ مهما اعترته عوامل الجفاف والعزلة والنأي، ذلك أنه يقوم أساساً علي اكتشاف المدهش في العادي واليومي والتقليدي.
المعرض افتتحه سعادة الشيخ فيصل بن قاسم آل ثاني الرئيس الفخري للجمعية القطرية للفنون التشكيلية مساء أمس الأول في قاعة الجمعية بحضور سعادة السفير السوداني إبراهيم فقيري وسعادة السفير المصري عبد العزيز داود ونخبة من الفنانين القطريين والعرب وجمهور حاشد من المتابعين ولا سيما أبناء الجالية السودانية في قطر، واحتوي المعرض منتقيات من أعمال التشكيليين السودانيين بأجيالهم المختلفة والتي نقلت ذلك الثراء العجيب في الفن التشكيلي السوداني المعاصر والمعروف بالتميز من حيث حيويته وتنوعه ومستواه المتقدم، ليس علي الصعيد العربي فحسب، بل علي الصعيد العالمي، من خلال جمعه بين الروح العربية من جهة والموروث الإفريقي من جهة أخري.
أحسب أن الفنانين المشاركين دافعوا عن مكانة التشكيل السوداني بأناملهم الماهرة، طه العطا بمنحوتاته البدائية المتقنة فكأنها مكتشفات أركولوجية طازجة، نور الهادي الخضر بلوحاته التي تشبه حكايا الجدات الملونة بالخرافات، معز العجيمي الذي مزق الجدار الوهمي بين الانطباعية والتجريدية خصوصاً في لوحته البديعة الفتي ، محمد يوسف عباس بتأملاته الخلوية، محمد حسن هارون بتكويناته الفانتازية، محجوب بابكر المقبول بحروفياته التي مثلت امتداداً للحروفية العربية في شقها السوداني الزاهي، جليلة خضر العطا التي أحضرت المكون الإفريقي بجلاء إلي فضائها التشكيلي، إسلام كامل بإتقانه لعبة الأصالة المعاصرة وتحليقه بينهما بأسلوب خاص به، إشراقة عبد المجيد بإيحاءاتها الغرافية واللونية الرقيقة، إبراهيم حسين إبراهيم بتناغم الشكل مع موسيقي الدرجات في اللون الواحد، هيثم الطيب بتوليفته المثيرة بين هندسة الزخرفة وما يشبه العبث، عصام إبراهيم بابكر بلوحاته الخطية التشكيلية المبتكرة والتي منحت فن الخط العربي فضاءات تكوينية جديدة، النور حمد باشتغاله الأكاديمي علي ما هو فطري، عبد العظيم محجوب الحسين بعائلة ألوانه المبهجة وموتيفاته التي نقلت أكبر كم من منجزات التشكيل السوداني ورموزه وأحاجيه إلي سطح اللوحة.
ولأن المعرض جاء كنتيجة حتمية أولي لملتقي التشكيليين السودانيين والذي فاق تعداد أعضائه الأربعمائة فنان وناقد وإعلامي في مدة قصيرة فقد نظمت الجمعية القطرية للفنون التشكيلية مؤتمراً صحفياً قبيل افتتاح المعرض تحدث فيه الفنانون النور حمد وإسلام كامل ونور الهادي الخضر بالإضافة إلي الفنان محمد العتيق رئيس الجمعية.. النور حمد أكد أن الملتقي الذي استفاد من تقنية الإنترنت من شأنه أن يجمع كافة أجيال التشكيليين السودانيين في حقل إبداعي واحد رغم انتشارهم في كافة أقطار الأرض، أما إسلام كامل فقد ضخ في المؤتمر روح التفاؤل بديمومة الملتقي واتساع فعالياته عربياً وعالمياً، من جهته أوضح النور الهادي الخضر أن الملتقي بدأ تحت مظلة اتحاد التشكيليين السودانيين ثم انداح نشاطه وانفتح علي كافة أطياف الحركة التشكيلية السودانية وكل من له صلة بالمشهد البصري في السودان وفي العالم، الفنان محمد العتيق تمني أن تحقق التجربة النجاح وفتح المجال لمداخلات الحضور وكان أبرزها مداخلة سعادة السفير إبراهيم فقيري الذي شكر فيها الجمعية ورئيسها الفخري الشيخ فيصل بن قاسم آل ثاني مشيراً إلي عمق الصلات الثقافية والتعاون الفني بين البلدين الشقيقين السودان وقطر، الأمر الذي تبدي بوضوح في هذا المعرض الذي انتثرت فيه بعض كنوز الغابة التشكيلية السودانية بكل ما فيها من عمق وغني
|