يعرض فريديريك الحسيني في أقبية كنيسة مار يوسف في الاشرفية مجموعة اعمال تجريدية تجمع ما بين الرسم والمادة والشفافية والهندسة والاثارات القديمة والمتنوعة. اننا امام فن الكيو كما درجت تسميته والذي يختصر جيدا ماهية الاعمال المعروضة حتى 31 ايار 2008. يقدم هذا المعرض ما يقارب الاربعين لوحة، ذات منحى هندسي يردد احيانا الاشارات نفسها، فكأنها كتابات قديمة يراد منها ان تنقل اجواء ذات ابعاد تاريخية، مضافة الى معان تبغي اشراك الحواس والمشاعر عبر ايحاءات آنية تخدم اهدافاً جمالية بحتة. الالوان تمسح احيانا وتبقى هندسية صارمة ولها تشعبات خطوطية باهتة، لكنها تعنف احيانا اخرى فتبدو متألقة بصبغات فاقعة قرميدية او مكحلة كلون البحر قبل هبوب العاصفة. الفنان، الذي مارس مهنة الهندسة المعمارية، قبل ان يعين عام 2000 مديرا عاما للاثار في وزار ة الثقافة، رسم الاعمال العديدة ثم قرر اخيرا ان يعرضها امام الجمهور. نقترب من اللوحات فنجدها شبيهة بالنسيج القديم او بالفسيفساء او بالمنحوتات او بالمحفورات على اسفل الجدران وتشهد على مميزات كانت لها اهمية عند القبائل ولدى الحضارات القديمة. الالوان هي لبلورة التخيلات التي تمتزج بالواقع وتستضيف في الوقت نفسه كل ما يساهم في اعطاء الصورة الابهى للاشارات والحركات والخطوط المنسجمة مع انعكاسات تردادية تذكّر بأنها قطع من وحدات اضاعت اجزاءها وهي تجتاز الازمان وتستريح في هيئات تجمدت في امكنة كان مطلوبا منها ان تحفظها وتسهر على انتقالها من جيل الى آخر حتى ايامنا.
الشبابيك المفتوحة والمشرعة على الابدية، تخسر عبر الايام بعضا من رونقها فتجددها الايادي الخيّرة والخلاقة لكي تشهد من جديد لديمومة الفن عبر العصور. ما زيّنه فريديريك الحسيني وما خطّه وما "زوزقه"، كان كالذي يبني نسخا جديدة لما كان اولا واضاف اليها طبقات شبيهة اخرى لمضاعفة الفرص وحظوظ الانتقال والحفظ اطول مدة ممكنة. رسم الحسيني الكثير من الحركات وردّدها ببهائها ورونقها ووضعها قبالة نسخة طبق الاصل لها، بالاشارات والحركات والصبغات. النتيجة جميلة حتى لو كانت اقرب الى النسخ منها الى الابتكار المطلق. بعد الرسم مرّت المسطرة وحفرت في بعض الاعمال، الخطوط المتوازية مرات والمتشعبة مرات اخرى. وها هي امام اعيننا. مموهة في مكان وواضحة في مكان اخر. ومن الشبه يخلق التوأمة بين لوحة واخرى. تذكّرنا بالشبابيك اللبنانية التراثية احيانا وبالسقوف الخشبية الملونة احيانا اخرى. فريديريك الحسيني يملك قدرة الاستذكارات الملونة والايحائية. يركّب لوحته بتأنٍّ ويلوّن ويعجن احيانا ثم يؤلف النسخة المقابلة لها بالقياسات والاشارات والتقسيمات والتلوينات. من الالوان الفرحة الى الخطوط الهندسية بألوانها الباردة، فكأن المعرض مقسم بين الدفء والبرودة، بين خط الاستواء والقطب المتجمد. ثم اللجوء الى فتح كوّات او فتحات صغيرة في اللوحات ذات الخطوط الهندسية الباردة، فكأن الفنان يبحث عن اضافات تمنح اللوحة ممرات نحو الضوء ليتسرب الى عمقها فينير اقساما منها دون سواها. ثمة ايضا بعض الرسوم الهندسية التي تشقع المربعات بعضها فوق بعض وكأنها اكورديون، ومن الممكن ان تتداخل المربعات لكي تبدو متواطئة ومتأهبة لتصير أشكالا جديدة، اكثر تجريدية اذا امكن القول. هذه الاشكال الجديدة تشبه الاقمشة المضلعة في كل الاتجاهات وتبحث عن نسيج يربطها لكي لا تذوب في هيكلية مجانية لا مغزى لها ولا هوية. ومن التطعيجات والثنيات ننتقل الى الارضيات الدافئة لئلا تحوّل البرودة العناصر الموزعة وحدة باهتة لا حياة فيها ولا عصب. من المؤسف ان تكون الايام التي تفصلنا عن انتهاء مدة العرض قليلة، فالاعمال تستحق الزيارة والاكتشاف والتشجيع |