انها المرة الاولى يطل فيها حسين بعلبكي على الجمهور بمعرض فردي في "غاليري اجيال"، شارع عبد العزيز، الحمراء، حيث تعلَّق له مجموعة من الاعمال التجريدية (19 زيتية) حتى 21 حزيران. هذه التظاهرة هي الاولى لـ"غاليري اجيال" بعد غياب، اذ انسحبت طوال الموسم الفائت بعيداً عن زبائنها وفنانيها. تحمل اللوحات عناوين فيها الكثير من التخيل والشاعرية، تخرج عن مسارها احيانا لتهتم بما يجري تحت سطح الارض. لكن المضمون لا يختلف كثيرا عن باقي الاعمال. فبعلبكي يرسم ويشقع الالوان بعضها فوق بعض من دون ان يأخذ في الاعتبار الفروقات التي قد تفرض بعض التعديلات في الكتل اللونية. كتل سميكة أحيانا الى درجة تقترب من العجينة الطرية المجففة. هذه النزعة لدى بعلبكي تدفعنا الى الاعتقاد أنه يخاف من ترك بقعة فراغ لئلا تسقط لوحته في الثرثرة المجانية. لذلك يشحن لوحته حتى تفور. يملك هذا الفنان الشاب قدرة هائلة على تنسيق الوانه ومزجها حتى تبدو احيانا متفجرة واحيانا اخرى هادئة وصولاً الى الصمت المطبق. في مثل هذه اللحظات، ينسى المتلقي انه يبحث عن تطابق النص مع الصورة، وان كانت الفكرة العابرة هي التي تفرض هذا التطابق. ثم لماذا البحث عن حكاية او منظر او موقع؟
تسبح اللوحات كلها في اجواء شاعرية ولا شكلانية على الغالب. في بعضها نرى طاقات ضيقة، مستطيلة، عمودية وصغيرة، وبصبغة اغمق، من دون ان تبتعد كثيرا عن الالوان الاساسية، البيج الخفيف والسميك والمائل الى الطحيني. هذه الطاقات هي المتنفس الذي يبحث عنه من يجد نفسه سجيناً داخل الكتل اللونية المتدرجة في صبغاتها، وينطبق هذا الوصف على لوحته "تحت سطح الارض". اما التفاوت بين لوحة واخرى فيأتي ربما لخدمة العناوين التي تساعد في الغوص في قلوب اللوحات ومضامينها المخفية غالبا. وهي تحمل مبدئيا المتفرج على التفتيش عما قد يجده خارج معطيات العنوان باحثاً عن مفاتيح لطرح الموضوع من زاوية خاصة.
على رغم ان الاعمال تحمل اسماء واضحة، فإن هذا لا يساعد كثيرا في ايجاد المكونات والحركات العامة لكل لوحة. في "احتفال الطبيعة" نقف على احساس كبير بالصبغات الشاعرية التي تذكّر بألوان الازهار البرية عند المغيب. صحيح ان بعلبكي يبالغ في استعمال انبوب الالوان لكنه سخي على كل الصبغات حتى ليبدو الموضوع خاضعا للمزاج الآني. وهذا من شأنه أن يفرض التجاور بين الالوان، على شيء من التفجر المتقيد بإيحاءات تشكل المناخ الماثل للمعالجة: صخور نافرة، وألوان متجمدة، كأنها خضعت لعناصر الطبيعة وللزمن الذي حاكها ككتل متجاورة لا تملك التدرجات نفسها، ان من حيث اللون او الكثافة. هذه الاعمال التسعة عشر تقول اشياء نفهمها واشياء مبهمة. وهذا حسن. هناك جدية لدى بعلبكي في التعاطي المهني مع الفرشاة والملوانة، جدية تكفي لكي نشاطره تخيلاته وآماله في معرض جديد وفي نص جديد.
|