كان
نضوجا مبكرا لطفولة لم تدم طويلا، والذي انعكس فيما بعد على رؤيتها، وتجربتها
الفنية.
تحمل
الاعمال الابداعية التي انتجتها سارة، بوضوح، ثنائية الأرض، والرحيل (الابتعاد عن
الجذور، وعن مشاهد الطفولة)، تلك الثنائية التي تجذّرت في نفس تلك الطفلة ثم اصبحت
بعد ذلك منطلقا لسلسة من اعمالها الفنية التي انتجنها على مراحل مختلفة من عمرها
الفني سواء اكان في الحقبة التي انتجتها في إيران، او في كندا حيث استقرت مؤخرا.
انتجت
سارة سلسلة من الاعمال الفوتوغرافية التي أسمتها ب (لمياء)، والتي استمدت تسميتها
من الاساطير اليونانية القديمة التي تحدثت عن احدى الالهة (لمياء) التي اكلت
ابناءها الواحد تلو الاخر.
في هذه
السلسلة الفوتوغرافية، صوّرت سارة الوطن (اما) تأكل ابناءها عبر الحروب، والمنافي،
في إشارة لما يعانيه مجتمعها من ضحايا الحروب، ومن هجرة الشباب الإيراني نحو
المنافي.
رغم ان
السلسلة تحتوي على مشاهد دموية، الا ان ابراز جمال المرأة، هو جزء لا يتجزأ في
جميع اعمال سارة نيروبخش الابداعية، والتي قصدتها عن عمد، وهو في اعتقاد كاتب هذه
السطور، وسيلة قوية لاجتذاب المتلقي، من اجل إيصال رسالة العمل الفني.
فضلا عن
ثنائية الأرض، والرحيل، عملت سارة على موضوعة المرأة، وحقوقها في مجتمع محافظ كان
يوما ما بعيدا تماما عن روح المحافظة التي رسختها الثورة الإسلامية عام 1979.
تطرح
سارة موضوعة المرأة، وحقوقها، من خلال اعمالها الإبداعية، بشكل جريء في مجتمع
محافظ كالمجتمع الإيراني. ومما يثير دهشة المتلقي لأعمالها الإبداعية في هذا
المجال تحديدا، ان اعمالها هذه عرضت في غاليريهات في طهران العاصمة، رغم التابوهات
الدينية التي تعارض مثل هذه الصرخات.
نجد في
بعض من اعمالها صرخة بوجه الرجل الشرقي الذي لا يرى في المرأة شريكا كاملا في
الحياة، وقد صورت في بعض من اعمالها المعاناة اليومية للمرأة الشرقية في كونها
حاضنة للأجنة، منتجة للحياة، مسؤولة عن الاعتناء بأسرتها التي لا تقيم وزنا
لمعاناتها حتى اثناء الحمل.
تطرقت
سارة الى موضوع الحوادث الخطيرة لمهاجمة متطرفين لمجموعة من النساء الايرانيات
بالأسيد (الاحماض)، والذي كان من نتائجه ليس فقط تشويه لوجوه سيدات، بسبب اعتراض
البعض على طريقة لباسهن، وانما اثاره الخطيرة على المجتمع الذي تشكل فيه المرأة
الجانب الأضعف، فباتت السيدات في رعب دائم من المجهول الذي ربما يستهدفهن في
الشارع، او في السوق، او في أي مكان عام.
ومما
اثار تخوف المجتمع الإيراني ان هذه الحوادث بدأت بالتكرار في مدن أخرى غير أصفهان
التي شهدت احداثها الأولى. أعقب ذلك عدم القاء القبض على الجناة، والتي قيل حينها
ان جناحا متشددا دينيا، كان يقف خلفها احتى تكررت في أكثر من مدينة إيرانية.
هنا
كانت رسالة مهمة من مبدعة رفعت صوتها ضد هذه الظاهرة الخطيرة، والتي بسببها تشوهت
العديد من السيدات، فضلا عن الاثار التي تركها هذا العمل الشنيع على اسر، وعوائل
الضحايا من دمار هائل، وهي رسالة جريئة ربما كانت لتكلف سارة الكثير امام سلطات
بلدها.
عودا
لموضوع الغربة، والاغتراب، نفذت سارة سلسلة حديثة عن هذا الموضوع عبر مجموعة لوحات
تشكيلية عرضتها في احدى صالات طهران، صورت فيها نفسها، وزوجها، وابنتها، في سقوط
حر، على عالم حداثوي قابل للكسر. ذلك السقوط الذي يمثله الخوف من الغربة الذي
حملته سارة منذ طفولتها، لكنه سيكون أعمق، وأكبر بعد رحيلها عن بلدها باتجاه الغرب
المجهول.
في هذه
السلسلة التي اختيرت لتكون معروضة بشكل دائم في غاليري ملتقى الفنون الإيراني
بالعاصمة الإيرانية، نجد تطورا مهما في اسلوبها الفني، رغم كون اعمالها حداثية
معاصرة، الا ان عملها الأكاديمي، وتدريسها للفن اكاديميا في طهران العاصمة، انعكس
نضجا فنيّا في هذه السلسلة من اللوحات الفنية، فابتعدت فيها عن الغموض المفتعل،
فضلا عن دقّة تصوير السقوط الحر، وحركة الأجساد المتميزة اثناء السقوط الحر.
اعمال
سارة نيروبخش تثير المتلقي العربي، والعراقي خصوصا، الى مسالة مهمة، وهي حقوق
المرأة في مجتمع أصبح متدينا، او ربما محكوما بسطوة رجل الدين.
متى نرى
صرخات مشابهة من فنانات تشكيليات عراقيات، يرفعن صوتهن بأعمال إبداعية تصرخ ضد
تغييب المرأة قسرا عن دورها الريادي في إدارة المجتمع.
هذا
التساؤل ربما يوجه أيضا للتشكيليات العراقيات المقيمات في المنافي، حيث لم نجد حتى
اللحظة ردود أفعال تتخذ من الابداع وسيلة، بحجم ما يجري من تغييب قسري لحقوقها،
ومن اعتداء صارخ على حريتها، سوى بعض من محاولات فردية جريئة لفنانات خبرن النضال
منذ زمن الدكتاتورية.
عن سارة
نيروبخش:
•تحمل
ماجستير في الرسم من جامعة طهران للفنون.
•تعمل
في مجال التصوير الفوتوغرافي (الاليستريشن) والرسم التشكيلي المعاصر منذ العام
2008 فضلا عن عملها لفترة أستاذة جامعية في الفنون التشكيلية.
•نالت
جائزة في مسابقة جرت باشراف منظمة اليونسكو في العام 2008، وعرض عملها الفائز بشكل
دائم، في احدى صالات فندق متحف فهدان في يزد بايران.
•نالت
جائزة عن بحث أكاديمي قدمته العام 2007 في أسبوع البحوث التي تقيمه سنويا جامع
طهران للفنون.
•قدمت
سيرتها الإبداعية ونشر عنها في كتاب صدر في إيران اختص بالسيرة الإبداعية للمصورين
(الاليستريشن).
•نالت
جائزتين عن اعمالها الإبداعية في العامين 2007 و 2009 من بينالي غولدن بين اوف
بلغراد في صربيا.
•اقامت
سارة معرضا تشكيليا شخصيّا واحدا، واشتركت في 8 معارض تشكيلية، ومعارض تصوير
فوتوغرافي، واليستريشن، فضلا عن أفلام تسجيلية قصيرة، عرضتها داخل، وخارج إيران.
•تقيم
سارة مع اسرتها في تورنتو بكندا منذ العام 2014.
بيتربرة
– المملكة المتحدة
18
كانون الثاني2015
عن صحيفه المثقف
http://almothaqaf.com