كثر الحديث في العقود السابقة عن المثقف والفنان الملتزم. وان كان الالتزام عائما كما فهمته الأكثرية. فقد اعترفت الأقلية على انه التزام حزبي. لكن الأحزاب العربية جردت هذا المفهوم من فاعليته الاجتماعية أو المجتمعية في نهاية الأمر ولم يبق من كل ذلك إلا التنظير يلح علينا بمفاهيمه الملتبسة بين آن وآخر. لكن في بلد كارثي كالعراق انعدمت فيه حدود الواقع والواقعة الحقيقة والافتراض التنظير من عدمه. لم يبق غير الفرد مجردا إلا من ذاته المتمردة هو وحده القادر على الإفصاح عن مكونات الكارثة وعصبها المر. ومثقف كهذا غالبا ما يكون قد خبر الهجرة وعاش تجارب الآخر الأكثر إنسانية واكتسب منه بعض نظمه المعرفية الثقافية ووازعها الإنساني الذي يسمي الأسماء باسمائها لا بما تقترحه العشيرة والعمامة.
الفنان التشكيلي العراقي المغترب (مظهر احمد) هو واحد من هؤلاء المثقفين. لم يكن نتاجه إلا جزأ من ذاته المتمردة حتى على كل الخطوط الأسلوبية التصنيفية وما غايرها. هو إذ يفكك كائناته الافتراضية ويعيد صياغاتها ليس بمبدأ التنظيم، بل بما يؤكد بعثرتها عبر الخطوط الوهمية لحدس الفراغ الذي هو أكثر امتلاء. فهو وبشكل ما يثبت هواجس حقائقه لا يخلقها، والهاجس اخف وزنا من الواقعة. وهاجس الفنان المتمرس بوقائع أزمنتنا المعاصرة لا يخونه في بث ما خفي عن البصر وتلمسته البصيرة. وان كان الالتزام قسرا اجتماعيا. فان المثقف تحول فيه ليكون فاعلا عضويا كما افترضه (غرامشي).
لقد نفذ مظهر احمد بوستراته الالكترونية الأخيرة عن العراق كما هو الآن بين فكي السياسيين والدجالين. كما هو الشعب الذي يعاني من شبح الحكومة التي انتخبها في غفلة من الزمن. أو غفلة من الجهل. مظهر في هذه البوسترات لا يعمل إلا بما تقترحه ذاته العضوية لإعادة صياغة الخبر. وأخبارنا العراقية في هذه الأيام كلها كارثة. أي انه يعيد صناعة صورة الكارثة الواقعية افتراضا بمعادل أشاري هو أمر من الكارثة. افتراضاته المقترحة تظهر لنا كتجريديات مختزلة لحدها الأدنى. لكنه اختزال يعزز من القيمة التصعيدية للخبر الكارثة بموازاة زمن حثها أو بثها. لقد تعلم أن يكون كيانا مفردا لا جزءا من الكتلة. وحريته الفردية هي التي تقود مخيلته لصناعة خبره الصوري عبر تسلسل لقطاته المختلفة لكنها المتوافقة ودلالاتها التي تنغرز في صميم الحدث وتفجر خباياه علنا خاضعا للرقابة الجمعية والنقد والشجب والإدانة. ولكونها إشارات ذكية فعلينا الانتباه إلا أن لا نتجاهل نوايا اقتراحاتها.
مظهر ببعث بوستراته عبر الانترنيت كبرقيات لا تحتمل التأجيل. لكننا لا نود أن نؤجل بث الخبر لما في ذلك من ضياع لقيمة الخبر البوستر. والبولستر أنوجد أصلا ليذيع الخبر.
مظهر احمد: فنان كرافيكي عراقي سويدي يعمل ويدير مركز كزافيك مدينة فالون، السويد.
|