كأعتراف يرسم لوعة الغازه ... يختلف مع ذاته ، فيختزلها ، ويقيم عبارته اللونيه ككيان غامض . كل مثيرات التجربه تشكل عند خيري حرزالله برهانا لنقض كل واقع . في رحيله الدائم الى الخيال ، مثل كائن اسطوري ، كما توحي كلماته مرّه ، يبرر كل تحول في اشتغالاته ..رسما ونحتا ..وتعبيرا فهو يعترف بماضي الغازه ، مثلما يعترف بذكرياته المبهمه ، عن الرحيل ، والهجرات المفروضه ، يوم كان في لاوعي الزمن . ماضي الرحيل وهو يتأمل الطريق الى اللانهائيه في واقع غير قابل للردم . * الرسم عند خيري حرز الله - 1952، مثل نفي لكل نهائي ، والرؤيا جدل ..والواقع فروض . منشغل بنفيها كما الخيال ويبتكرها وعي آخر يكرس معنى الرسام غير المحدود ..بالرؤى والأسلوب .. والأختيار. يقول : انه يدخل منطقة الرسم مغتسلا بالحريه ..حاملا عدته التلقائيه ليرسم .. لكنه كما تقول لوحاته يرمي تشفيراته ورموزه.. وهو يجلي قشرة الفضاء الأبيض . انه لايرسم اذن .. انه يحفر خامته ليوثق نظامه اللوني . لقد كنت ارجأت اية قراءه لأعماله الفنيه ، كنت اتأمل تلك التحولات التي يضفيها على تجريداته منذ ازيد من عقدين .. حتى اعماله التي عرضها في برلين 2009 واعماله التشريحيه الأخيره لتطهّر الذات ،فأنه لايستقر في استيحاءاته : من طفولة لاتختزل ذاكرتها السنوات ..ومن معرفه تبدد كل ثابت امام جدل الأحتمال .. * ربما حملتْ روحه كل انبعاث خفي من الضفه الغربيه الى فضاء عمان ، وربما اقام نظام حضوره التعبيري ليطلق لوحه الحاضر . كل ماض يشتغل ، لكنه لايعطل الحاضر .. لذلك يفكك بنى الرسم ..يفكك اللوحه كمن يبتكر تاريخا لكل ارتباك متحرك ، معتبرا ذلك انه جدل الرسام الذي يبدد كل قطيعه مع الزمن الصعب . الأساطير تمده بطاقه ردم فجوات الحاضر ، انه معنيّ بالجمال الذي يجعل العالم اكثر قبولا.. لقد جرب استعادة ذاكرته منذ قراءاته الأولى .. من لمسة امرأة جاره تقيم كون التصوير عبر النص الديني او الحكائي .. ومنذ ان اتخذ الرحيل معنى الفقد المر..بدت شخصيات تجريداته تشع ذعرا وسوادا ذلك ان تاريخ الأسى هو تاريخ السواد داخل الذات وخارجها . يقرر ان تكون افكاره جديرة باللون .. سدم كونيه يفككها مثل خليقه جديده كما يعرف ان اللغة تمنح الرسم شمول العباره واختصار الحركه رغم انه في استخداماته الحروفيه – كما في لوحاته التي عرضها في المانيا العام الماضي انما يؤسس علامات موحيه ...لايقصد التزويق ولاالأبهار في بيئه مغرّبه .. * الحروب والهجرات التي افقدت خيري حرز الله الكثير من الناس ، انما تمثلان استعجالا لفرص البقاء في اعلى ذروة يصلها الرسام حين يعالج شعرية الأسى مثل شاعر.. لكن في حالته يقوده اللون الى صمته الذي يتسع كل معنى . قلبه شراع يجترح موجة التجوال نحو شواطيء الشعر .اليس الشعر فسحة للحدوس والرؤى عبر كوّة الرسم كما يقول . اليس اللوحة مدارا للفصول والتحولات والخطايا .. كل ذلك يحصل حتى تولد اللوحة وسط عالم يحدق في تواريخ المنجز اللوني الأعزل كمن يرثي نظم التدوين البصري ويرثي عدة الرسام الذي لايملك غير ارتجالاته .. وعاطفته . * مخلوقاته واحجاره تلك التي يفتتها على سطح اللوحه هي طرف ذكرى وارث من الخليل حيث جاء الى اقاصي تجربته الفنيه دونما تحديد لأي جغرافيا .. تلك هي قضية الرسام وهو يحمل همه الكوني ليرسم فاصلا من تراب والوان .. فواصل من ورق وتخطيطات ومخلوقات ووجوه .. وحروف شيطانيه ومقولات مقلوبه مشتته نحو صياغات تُدْرَك ولاتُقرأ .. لوحة خيري حرز الله مثل سر حي .. تنقاد اليها البصيره .. فيما اللوحة تستسلم لطبيعة الرسام وتقنيته .. اللوحة تستسلم خارجةً من لذة الأسى الى لذة المعرفه ... |