«تقاسم الملح» و«تقاسيم» و«التشظي» تجارب فنية تشكيلية ارتقى من خلالها الفنان العربي محمد أبوعزيز الى ابداع وتجدد لا ينضبان وجعلا من انجازاته بدايات لتجارب آخرين، فيما اقام بعضها جدلا على الساحة الفنية أثرى من حضور التجربة وأهميتها كمقدمة وحافز. يرى أبوعزيز ان الاختلاف ضرورة لاثراء الابداع وأن الفنان غير التقليدي أقوى حضورا وأعمق تأثيرا، وفي كل تجربة فنية جديدة يحاول أبوعزيز ان يطرح نفسه بطريقة جديدة لا تخلو من المغامرة والعفوية التي اتصف بهما فنه وحضوره منذ بداياته عام 1998.
قبل سنوات وفي تجربة فريدة دنا الى الأرض وما أن لامست أنامله حبيبات الملح لملمها هامسا «لنترك ظلنا ونحلم» ومضى محمد أبوعزيز ليشكل لوحات ظهرت لوهله أنها حروف عربية آتية من ضجيج الحياة الى صمت الملح، لتخربش ذراته وتضفي عليه صخبا وتستقر لبرهة ثم تبدأ بالتلاشي قبل أن تختفي مع الريح. جمعت مغامرة «تقاسم الملح» بين فن الخط العربي والتشكيل والفن الفوتوغرافي، وأضاف المجهود الثنائي العربي والفرنسي سحرا على تكوين اللوحات وتوثيقها فوتوغرافيا في جنوب البحر الميت في الأردن قبل عدة سنوات. ووحدت مغامرة «تقاسم الملح» بين رؤية الفنان العربي محمد أبوعزيز وعدسة الفرنسي جان لودوسوفرزاك لتذوب كل الاختلافات الحضارية بينهما، وتكنز البحر الميت بمقولات عالمية ترجمت من ثقافات مختلفة الى اللغة العربية، لتخط خطابا ملحيا واحدا يستنشق عبقا عربيا بهيا. مازالت الأعمال تجوب بقاعات مختلفة على أمل أن يجوب منطقة الخليج العربي لاهتمامها بالخط العربي منذ ازل بحسب ابوعزيز.
ورأى جوليان لوبراتر رئيس النجدة الشعبية الفرنسية أن «تقاسم الملح» تجربة عبرت عن «التضامن الشعبي خارج حدود فرنسا من خلال الرسائل المكتوبة بملح البحر الميت والآتية من ثقافات مختلفة حول العالم».
تاريخ
وبدأ استخدام الملح كأداة فنية في عام 1450 قبل الميلاد في مصر، كما برع الايطاليون في فنون الملح خلال القرن السابع عشر واستخدم في 14000 استعمال صناعي منذ زمن، فيما يقول رئيس ومدير متحف اللوفر «هنري لويرت» أن «فن الخط العربي ألهم الكثير من الفنانين الغربيين خصوصا خلال القرن العشرين الميلادي ومنهم «آلشينسكي» و«دوترمون» و«ميشو» حيث شكل هذا الفن بالنسبة لهم مدخلا جديدا لخلق أشكال جديدة من الفنون لما تمنح من فضاءات تشكيلية أرحب.
«تقاسيم» و«تشظي»
وفي استخدام مختلف للخط العربي في الفن التشكيلي تبرز أهمية تجربة «تقاسيم» لأبوعزيز وهي تجربة مشاطرة الشعر للرسم حيث أثارت جدلا كبيرا، واعتبرت تقاسيم محاولة مغايرة للقاعدة بحسب أبوعزيز، ويبرز اختلافها في كتابة الشعراء لبوحهم بعد قراءة تقاسيم الوجوه بصريا وليس العكس، ووثقت التجربة في فيلم قصير وكتاب «تقاسيم» واحتوى الكتاب على اثنتي عشرة قصيدة عربية مترجمة الى اللغة الفرنسية، ومقترنة كل منها بلوحة من تقاسيم وجوه أبوعزيز. ومن الشعراء الذين قدموا نصوصهم البصرية في قراءة وجوه ابوعزيز نبيلة الخطيب من الأردن، عبدالرحمن البحياوي من المغرب، ومنال الشيخ من العراق.
وتظهر تجربة «تقاسيم» للوهلة الأولى كتجربة تحمل ملامح الروح بكل انتفاضاتها، وتجسد حالة حميمة تسكننا بعفوية الا ان أبوعزيز يرى أن الفنان «يرسم ثلثي ذاته ويقول لست أنا». وعن أهمية تجربة «تقاسيم» قال الناقد المغربي د.فريد الزاهي أن «حركية الوجه تلك هي عنفه الذي يكشفه للآخر، في اللوحة، باللون، بتناضد المساحات اللامستوية، وتقعراتها وتضلعاتها، بمنحينياتها وتمرئيها. الوجه يغدو أرضا متخيلة يمنحها الفنان لكل من لا تراب له الا تراب جسده ووجهه. وجوه محمد أبوعزيز مشرع على الروح، تلك التي هجرت الجسد لتسكن العين، وتطل منهما على احتمالات مستحيلة للمعنى».
ويظن أبوعزيز أنه «سقط سهوا من رحم أمه» في حضن الحياة الا أنه فنان عربي ينبش في دهاليز الانسانية باحثا عن أسرارها وفي تجربتي «التشظي» و«الولادة» تناول المرأة كرمز لانجاب الحياة والعطاء والاستمرارية واستقى فكرتهما من ثقافة التعايش والقهر في الأحياء الفقيرة، ووصف رائد الحركة التشكيلية الأردنية مهنا الدرة تناول أبوعزيز للشخوص في أعماله «بأنها شخصيات ممشوقة قادمة من عالم اخر غريب، فهي تشبه أحيانا أشباح شفافه أخذت مكانها برقة وحياء على الخلفية الزرقاء التي كادت أن تمتزج معها». وأضاف «أن انعدام الظلال التي كانت لتربط وتثبت أشخاص أبي عزيز من الأمور التي ساعدت على تجنب الايحاء بثقل أشكاله، كما أضاف جوا «ميتافيزيكيا» حالما على مجموعات اشخاصه الهائمة التي تبدو في حالة تأمل وانتظار أبدي. ويحسن الفنان أبوعزيز استغلال المصادفات اللونية وتحريكها كما يشعر في لحظتها، وذلك بعفوية فائقة وبراءة الطفل الذي نجح في المحافظة على صدقه ونقائه».
ويستعد أبوعزيز حاليا لاقامة ورشة عمل في مركز الكويت للفنون الاسلامية، وتتناول الورشة الزخارف الاسلامية والخط العربي من خلال أسلوب المعرفة والاحساس ثم الانجاز في تعليم الأطفال. ومما يجدر ذكره أن أبوعزيز له دور فاعل في ترسيخ أهمية الفن لدى الأطفال، وصقلها من خلال مجموعة من ورش العمل التي أقامها في العاصمة عمان، وأبرزها ورشة الخط العربي وتقنيات فنية بدعم من المدرسة الفرنسية، والطائرات الورقية بدعم من دار الأندى، وورشة دعما لأطفال لبنان. |