يجري محمد نصر الله مقارباته التشكيليه وكأنه يتمتم حروف صلاته ، وحيدا ، يبتكر حوار المعنى في لوحات تكتشف جذر وجودنا المبهم البعيد .
في محمولات لوحته ايحاء بمغايره عارمه لعقيدة الرسم هنا عند حدود الشرق المباشر و التزويقي .. وكأنه يرى القواعد الفنيه ايديولوجيا مريره تعرض الرسم الى انقراض حتمي . انه يكرس تجربته اللافته في المشهد التشكيلي الأردني والفلسطيني بالبحث عميقا في اللامرئي ، ويطلق هامش تجريد فكرة اللوحه مثلما يجرد اشكاله بأفضية مفتوحه تتشظى مثل غيوم فائضه في فسحة الزرقة .. وفي لانهائية صحراء التراب .
ابجديته التي تقوم على تجريد الأشكال تشير الى سطوح فائقة في امتدادها البعيد واشارات تمثل نظاما لعلاماته في صياغة معرفة اللوحه وايحاءاتها لينفرد في بنية لوحتة بأسلوبيته الخاصه ..
*
يغادر محمد نصر الله المحسوس ، كما في لوحات معارضه العشرة ، يغادر قصديا ممسكا بوهم الرؤيا ؛ وهم السرّانيه التي تنطوي عليه فكرة الحقيقه وماورائياتها
ومثل مناديل تشير الى وعد محتمل ونوافذ مطلقه لهواء الحلم ، ايقاعاته تغادر فسحة الواقع الى فسحة الغياب . وكأن لوحته نبوءة تبشر بمتعة مجهوله ومفاجئه .
*
نادر وفريد في تعدد مواده الفنيه ، وهو يفتح افق المغايره .. إن في الفكر او مادة صياغة اللوحه ، وقد تبدو مادته اليوميه مثل سرد سحري لحياة جافه يخلق من تفاصيل عطشها لحظة ارتواء ..
يؤاخي محمد نصر الله فطرة مادة البيئه مع الزيت او الصمغ و الأكليريك وحتى الحبر ليأخذ شكل قوس التدرج في اطراف لوحة او تخطيط او عباره او سكيتش مرمي على ارضية مرسمه . لقد عني بتلك المقاربات بين ملكوت المخيله – الشعر وملكوت البصر – الرسم وكأنه يوشوش الأثر الباقي مثل شاعر لوني يعدد صفات الأفق الذاوي وينفخ فيه حياة مستحيله ليطل الأثر في لوحته حيا وغامضا .
*
متعب هو حد الذوبان الداخلي وهو يرى الى المدن وقد نسيت اسماءها في الهباء الذي يتكرر على هيئة الأرض والتراب .. والحيطان .. والمآذن ، وشكل المدى الحضري وقد ارتجلت الكف حيطانه .. مثل جرح متنقل على وجه الشرق ... تؤرقه مصادره الرؤيويه ، مصادره المعرفيه وقد امتزجت بكشوفات ذاتيه عميقه قادته الى تبديد شكلية اللوحه .. حتى ليبدو محمد نصر الله في حضوره اللافت واحدا من اسماء تكريس حداثة الرسم هنا .. حيث يشرق بصره ليبتكر لوحة يتوهمها ، ولايبصرها لتشير الى الأثر مثل رليف بصري على جسد اللوحه مجددا وفي كل مرة يلامش سطح القماشة وهو يكرس تداعيات الرسم الحر.
- يقول : اللوحة التي لاتفيض حريّة فاشله انسانيا على مستوى الفن ومستوى الرؤيا ..يكتب لي عبارته الموجزه المحدده والدقيقه .. عبارته تشير اليه .. ولوحته في رهافته اكثر شبها !!
*
يرسم محمد نصر الله فجر الأعماق .. يرسم مالا يراه مثل مبتكر لحوار التمتمات حين افتقدت اللغه معناها ويصل المرئي باللامرئي ويقيم طقس تواصل الرؤية لاتضلله عتمة ولامديات الأقاصي .
نظام من العلامات والرموز تؤدي اليه لوحة محمد نصر الله . انه يتحاشى ذلك الوهم البارد في مباشرة المعنى وقصدية الفكره .. مبتكرا طريق اللامرئي على انه الرؤيا ..
وعنده يفتقد الرسم اصواته ليروي حاملا مناخ التجلي وحرّية المخيله في ملكوت البصيره العميق .
انه يكتشف الداخل مثل سحر ينطوي على مجاهيل معارفنا حيث يحفزنا الفضول وربما العجز .. امام
تنازع لوحاته افكارها وموادها ليتيح لنا مشهديته نتخيلها ولانراها ...
ذلك هو جوهر حضور محمد نصر الله اللافت في تجربة كسر قواعد الوعي التشكيلي واطلاقها .. في ملكوت الشرق .. المغلق ..