وعبر طابقين أنيقين هما مساحة الغاليري تتوزع لوحات المعرض التي تجاوزت المئة من مختلف مراحل الفنان محمد صبري، حيث يتم تاريخ أولى لوحاته ببداية الأربعينات من القرن الماضي، كذلك يبدو تنوع بيئة الأعمال التي تعكسها تلك اللوحات كقراءة مبكرة لذلك البحث المحموم عن خصوصيته للتشكيل المصري، فقد عانى هذا الفن طويلا من الحالة الاستشراقية التي رسخت لها اللوحات الكبرى لفناني مرحلة الاستشراق ذات الجذر الاستعماري، وهي أعمال أثرت كثيرا في توجهات التشكيل المصري لسنوات طويلة حتى بدأت النهضة الفنية المصرية بإنشاء مدرسة الفنون الجميلة على يد السيدة هدى شرعاوي في مطالع القرن الماضي، وهي المدرسة التي تخرج فيها جميع رواد التشكيل في الموجة الأولى مثل محمود مختار، ومحمود موسى، وعبدالبديع عبدالحي، ومحمد صبري، ثم بعد ذلك حسن سليمان وزهران سلامة وعمر النجدي وحسين بيكار وغيرهم من الرواد الأوائل لحركة التشكيل المصري.
وقد عبر الدكتور عبدالمنعم كامل رئيس دار الأوبرا عن تقديره الكامل للفنان محمد صبري عند افتتاح المعرض وقال إنه فنان مصري بحق وجاء المعرض لذلك تحت عنوان 'رؤية مصرية' ويبدأ منذ الأعمال الأولى لصبري التي قدمها عام 1940، واعتبر كامل أن المعرض واحد من أهم المعارض الاستعادية لتاريخ هذا الفنان الذي شارك في الحركة التشكيلية بنشاط بالغ لمدة تجاوزت الستين عاما.
ويرى كامل ان اعمال صبري عن معركة بورسعيد والسد العالي والعبور وخطاب السلام من أهم الأعمال التشكيلية، ويراه الى جانب ذلك بارعا في التعبير عن القرى المصرية بأحيائها الشعبية ومفرداتها البيئية شديدة الخصوصية.
ولد الفنان محمد صبري بالقاهرة في الحادي والعشرين من كانون الأول (ديسمبر) 1917، وحصل في عام 1937 على أول دبلوم في الفنون التطبيقية من قسم التصوير، ثم حصل على درجة الأستاذية في نفس التخصص من كلية الفنون الجميلة بسان فرناندو بمدريد عام 1952 وهي تعادل درجة الدكتوراه المصرية، كذلك حصل على دبلوم الدراسات الاسبانية من كلية الآداب بجامعة مدريد عام 1956.
وقد اشتغل صبري بالتدريس بكلية الفنون التطبيقية في الفترة من 1953 حتى عام 1959 ثم عمل مديرا للمعارض ثم مستشارا فنيا للهيئة العامة للفنون بوزارة الثقافة، ثم خبيرا بالمعهد المصري للدراسات الإسلامية بمدريد، وهو حاليا يقوم بالتدريس كأستاذ غير متفرغ بكلية الفنون التطبيقية بجامعة حلوان، كما حصل صبري على عدد من الأوسمة مثل وسام فارس من الحكومة الاسبانية عام 1961 ووسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى، وفي عام 1988 حصل على وسام الملكة إيزابيل الذي منحه له ملك اسبانيا تقديرا لفنه، هذا بالإضافة الى ان محمد صبري حصل على العديد من الجوائز منذ العام 1948 عندما حصل على الجائزة الأولى والميدالية الذهبية في التصوير في المهرجان الأدبي والفني الذي اقامته وزارة المعارف العمومية، أما في عام 1997 فقد حصل محمد صبري على جائزة الدولة التقديرية في الفنون، وقد رشحته كل من جامعة حلوان والمنصورة والمنيا للحصول على جائزة مبارك في الفنون وهي أعلى الجوائز التي تمنحها الدولة سنويا، وبالإضافة الى ذلك فقد نال صبري العديد من شهادات التقدير والتكريم، وله مقتنيات بالعديد من المتاحف المصرية والعربية والعالمية مثل متحف الفن الحديث وقصر عابدين، وأكاديمية سان فرناندو ومتحف القصر الملكي، ومتحف الفنون الجميلة بفالنسيا، ومتحف غرناطة ومتحف قرطبة والرباط وبلاك برن في انكلترا ووزارة الأشغال بروما، ومجلس السوفييت الأعلى، ووزارة الخارجية المصرية وعدد آخر من دول العالم.
وقد ساهم الفنان محمد صبري في الحركة الفنية المصرية المعاصرة منذ أواخر الثلاثينيات وأقام أكثر من ستين معرضا خاصا في أنحاء العالم، وقد شارك عام 1936 في صالون القاهرة السادس عشر، الذي تنظمه جمعية محبي الفنون الجميلة وهو ما زال طالبا بالفنون التطبيقية، وفي عام 1943 أقام أول معرض خاص للوحاته في صالون غولدنبرج بالقاهرة، وفي عام 1951 اقام اول معرض خاص للوحاته بالخارج في المتحف القومي للفن الحديث في مدريد، كما اشترك في أكثر من ثمانين معرضا دوليا داخل مصر وخارجها، وقد رسم الفنان محمد صبري العديد من اللوحات وتناول جميع خامات التصوير والرسم بالقلم الرصاص، والفحم والألوان المائية والزيتية وتخصص أخيرا في الرسم بمادة الباستيل، وقد اعتبره النقاد ومؤرخو الفن في مصر وأوروبا أحد رواد الباستيل في العالم وذلك في مئات المقالات والأحاديث بمختلف اللغات العربية والاسبانية والانكليزية والفرنسية والإيطالية والبرتغالية والإيطالية، كما ظهرت لوحاته على أغلفة المئات من الجرائد والمجلات والصحف العربية والأجنبية، وقد اتجه الفنان محمد صبري في بداية حياته الفنية الى معالجة عاداتنا وتقاليدنا ومشكلاتنا الاجتماعية في لوحات شهدتها معارضه الأولى في أوائل الأربعينات.
كذلك فإن الفنان محمد صبري مشارك أساسي في العديد من المعارض الشرقية وحصل كذلك على العضوية الشرقية للعديد من الجمعيات التشكيلية وتمت دعوته لعمل العديد من الجولات الفنية في مختلف دول العالم منذ عام 1956 عندما بدأ بأول دعوة الى مدينة تطوان المغربية.
وتدور لوحات محمد صبري حول العديد من الأغراض الفنية لذلك يقسم النقاد أعماله الى مجموعات منها مجموعة لوحات البيئة المصرية، مجموعة لوحات الآثار الفرعونية والبيئة في الأقصر وأسوان، مجموعة لوحات الآثار الإسلامية في الأندلس، لوحات الحياة الاجتماعية في اسبانيا، مجموعة لوحات الريف المصري، القاهرة القديمة، الحياة في المغرب، البطولات المصرية في حروب بورسعيد وأكتوبر وبناء السد العالي.
يقول الفنان محمد صبري عن نفسه بمناسبة المعرض:
- في المعرض الأول الذي أقيم في نيسان (ابريل) عام 1943 والمعرض الثاني في آذار (مارس) 1946 تناولت فيها موضوعات عن المشاكل الاجتماعية في لوحات زيتية، الزوجة الشابة، نصف الليل، شارع البحر، صباح الخير، السائل، الجمعة، درس ديني، وقد عرضت لوحة الزوجة الشابة لأول مرة في معرض القاهرة العشرين في نيسان (ابريل) عام 1940 وقد لاقت هذه اللوحات جدلا كبيرا في الأوساط الفنية والأدبية، واحتفظ بكثير من أداء الأدباء والشعراء والفنانين حول هذه الموضوعات مسجلة بأقلامهم.
ويقول محمد صبري: زرت القرية المصرية في أوائل الأربعينيات ورسمت العديد من أحوالها في لوحات مثل: دودة القطن، البلهارسيا، المطلقة، الجوزة، الشاي الأسود، كتاب القرية، الغسيل، وابور الصلحين، الخبيز، الساقية، النورج.
وقد قضي محمد صبري خمس سنوات بالقسم الحر بكلية الفنون الجميلة بين أعوام 1943و 1948، وحصل على الجائزة الأولى، وبعثة داخلية لمرسم الأقصر، وذلك في المسابقة التي اقيمت بالقسم الحر وكانت ثمرة المسابقة لوحة النحاسين وخمس عشرة دراسة لها.
ويعترف محمد صبري بأنه قضى فترة نادرة في مرسم الأقصر لمدة عامين بين 1948 و1949 ويقول انه أنجز فيها عددا وفيرا من اللوحات عن الآثار الفرعونية ومدينة هابو، والرمسيوم، والكرنك، وادي الملوك، القرنة، الجيل، والنيل، أما فترات الصيف فكان يقضيها بين أحياء القاهرة القديمة في منزل اثري في حوش قدم، حيث عايش الكثير من اللوحات في هذه المنطقة القديمة في قاهرة المعز.