في غربتها الطويله هناك عند حدود الخليج ، تكتشف كريمه طه اعماق مخلوقات ثريّه عاشرتها طويلا ونساء بسيطات وغامضات رافقنها في رحلتها الطويلة من القاهره الى البحرين حيث تستطيع ان ترى الرسامة تفاصيل الغابة عن بعد ، فتكتشف بأبرة الرسام خفايا النفس واسرار حياتها .
*
في برج وحدتها يمضي التفصيل الذي يحب المتناظرات ، يتحول الى متوازيات على وجوه اختارتها ، وهي تعوّض استرسالاتها بأختصارات يرميها المعنى ، ويكثّفها الشكل .
كل اداة في يوميات المرأة ..هي دلاله وكل ستارة او صفحة باب موارب ..او خلفية حائط هي انعكاس تأويلي للجوهر وللسيكولوجيا حيثما تصعب على اللوحة الرواية او السرد .اللوحة شعر والأضافات تقفيه ، يختصر بيكاسو شرحه مرة ل فرانسواز جيلو ، وكريمة تؤلّف تفصيل اللوحة بشعرية مطلقه في هيأة المرأة وشحوبها وشجنها العميق .
*
ليس لكل شيء اسما و الفنان لايفسر خطوطه اوبورتريهاته او موضوعاته ، لكن كل عمل فني هو رؤيا اخرى لمشكلة الحياة وللشخصيات التي تراها كريمة طه ..
الوجوه تأخذ بأهتمامها ، ليس ثمة تناظر في الوجوه ، ليس ثمة انعكاسات اكيده لكنها واجهة خفايانا وارثنا الداخلي لذلك يكون التشويه الذي يظهر على وجوه شخصياتها تكريس للغموض ..وللمعنى في آن( البورتريه عندي موغل في الزمن يبحث عن مكان ) تقول كريمه طه في تقديم وجوه شخصياتها ، انها وجوه مثقله بالخوف والغربة والقلق..وجوه تبحث عن ملاذها المستحيل .
*
مثل قتيل مجهول ، شخصها الساكن على سطوح مركّبة ، حيث توثّق الخامات فعل الرسامه وهي تواصل انشغالاتها العميقه .. وجه شرقي مغسول باللون ،الشمس تلوّحه ،حتى ليبدو اللون موغل في الكثافه .. لون عميق يحاول الأزرق والأحمر ان يؤطر روح اللون وقد يكون الذهبي طاغيا على الكتله بكثافه ، بهذه الطريقة تعرّف كريمه طه تقنيتها مؤكدة انها تترك لفطرة الرسام ان تشتغل بحيث تكون الحواس والحدوس والرؤئ على اولويتها في لحظة اشتغال الرسام . ان مشكلة كريمة طه الرسامه ، هو ان انسانها يعي كل هذا الذي يعتري الذات الأنسانية ..
تخفي اوجاعها واظطراباتها .. لكن الوجه هو الذي يروي كل تفصيل يعنى به الرسام ويستهدف اكتشافه كما في تجربتها الفنيه الممتده ..
*
انها الهموم التي تنطوي عليها اعمالها وهي ترى ان شغلها يشببها في التهور والأندفاع ، في التطرف والأرتجال ( احب بعنف واندفاع وارفض بنفس العنف والقوّه ) .. رغم ان نماذجها تبدو خجوله ومتواريه برغم عريها الذي تميل شخصياتها الى اخفائه بألأستدارة كمن يخفي حقائقه..خجلا او حزنا .. عزلة وتوحدا .*
في خواص تجربة الرسامه كريمه طه مطابقات بين شخصيات وتاريخها وثمة حدود تتداخل او تتوازى.. وثمة استطالات هي نزعة التعبير عن اقدار تجاورها شخصيات لائبه على فسحة اللون . وعندها تتسع المسافه بين الحقيقه وغموضها وبين اللوحة ومكاشفاتها ..
الرسامه المصريه كريمة طه تواصل سؤال الغيب في لوحات يلتبس فيها المعنى وتنوّع الصوره حيث يأخذ الرسم مترادفاته خارج بيت المباشره الى غموض الفن وصفائه ..