في ثياب يقظته تطلبه عمّون وهي تصحو على لحظة لون .. كل فجر . لحظة لون على قماشة مجتزأه من روح رسّامها .. وهو المعنيّ برفقة الزمن وتأثيثه ، يشرق محمد الجالوس في دورة الوقت ، العتمة ،و الضياء حين يبتكر سلسلة من مخلوقات مدينته .. عمّان ؛ ايماءاتها الجسديه وظلال حركتها وكأنه بخفقة قلب يبتكر لهذه المخلوقات الحميمه حياتها المقترحه ..
* يستأنف محمد الجالوس – 1960 تجربته التشكيلية ، اعني بداهة ابتكاره ، وكأنه يقشّر الوقائع ويمحو ، لكي تستنير بحكمته وتعود بتكويناتها وعشبها .. وتكتسي شواطئها بحيواتها ومخلوقاتها ، وقائع خارج بلاغتها العابره ، نافرة من بين المدن والأمكنه ، لتضيء بأسمائها عند هذه المدينة الحجريه ..عمّــان بكل ارث الماضي الغزير .
انه في فضيلة الرسم يشير الى رغبة الكشف ، دهشته ، حين تفصح هذه المخلوقات عن دلالات ، وتحيل الى مبتغى لرسام تضيء بين يديه رعشة القلق ، وقشعريرة الروح وهي تتردد في الأعلان او البوح حتى نرى عشبة الحياة تعود بين اصابعه مثل خلود و.. لانهائيه . انه الرسام الذي يعالج تناقضات الأشكال والمخلوقات والرؤى ليعيد بريق اللوحه وسط موجة الحلم والسؤال الغامض .
* في كل مرة اعيش وسط مخلوقاته ، اتقلب بين معنى ومعنى يشقى ألأسلويب ليقول بهجة الشكل حين يقرر هذا الرسام القلق بأمتياز ان يختار بنية لوحته اخيرا .. انه مأخوذ بحرفة اللون وحرقته .. في تضادّات تفصح عن ذلك القلق وهو يتسلق مرسمه ويثقل روحه رغم كل بريق حي على سمت الرسام وهيأته .. مخلوقاته التي تغادر عتمتها تعترف بحقول وحشتها المفتوحه وكأنها تقودنا الى لاخلاص ..نمضي في التفاته او نواح عند باب موارب او نافذه معتمه وننسل الى شهقة العزلات النادره حيث يبتكر محمد الجالوس لمخلوقاته سحريّة اللحظة ودهشة المكان .
* في غابة روحه تلوب ارواح مخلوقاته التي لاتكشفها لوحته لكنها تسمّي ظلالها في انتظار موجتها ليزخرف شاطيء العاصفة المحتمله خارج بصيرتنا .. تفجر يختفي تحت ثياب العزله في مفاجأة التوقع ، وخطوات تمضي الى مجهولنا لتجعل فصاحته مثل رؤيا تشير الى الطريق .. او كابوس ، اذ نخطيْ الوعي .. هنا ، التخمين ، يتمتم عبارة التوقع... امام اناشيد لوحته .. وهي ترمي متعا باذخة و براءة معرفه وتعلّم .. وغناء
* في لوحاته اصوات نبصرها .. مفردات نمسك خضرتها على يباس ذهابنا المتسائل .. خذنا يامحمد الجالوس الى قلب المدينه وناسها .. قاعها الزاخر بروائح تلك المخلوقات وهي تلتهم الوان شحوبك .. انت لاتضيء كل مرة حين تحفر في اعماق مجهوله لكنك ترى السماء الأخرى لعمق مخلوقات تبدو مصادفة وجودها مقررا لتؤرخ لوحتك تلك الخليقة طالما كنت ترعى وتحرس المكان .. بالسهر والسؤال.
* لايستطيع محمد الجالوس ابن عمون وتاريخها وشواهدها ان يتلمس المعنى الاّ حين يتماهي في تفاصيل المكان – المكان يأخذ شكل اهله وفطرتهم وايماءاتهم – وحجر المدينه مثل سراب المدى المفتوح ..ممكنا وغير ممكن ... رموزه في اقاصيه وجوهره في ظلاله .. وعند منحدر الخطوات شجرة المساء وهي ترمي عطشها فتبصر مخلوقاتك هناك نساء ذاهبات الى مجرّة الغيب مجرة الذاكرة ونساء ينهمرن من نوافذ حلم وعشاق يضيئون في مباركة الصحو وهديل مثل صوت ريشته الحائرة على خامة الندرة لتتشظى وتعود في صورة الوهم الذي لايشبه الا نفسه .. يكثف البراري مقترحا ينبوعا لهذا الجفاف ..تحت شجرة المساء تلك .
مثل رعاة اورشليم الخارجون من الأناجيل يبتكر غديرا لترعى مخلوقاته عند ظهيرة السكون . محمد الجالوس الذي يحمي حجارة المكان بنبرته يرسم لينقّي وعينا وينظف بؤرة البصر حيث نرى الجمال الغائب .. مخلوقاته تعلمنا كيف نبتكر ايماءاتنا لتبدو اجسادنا اكثر موسيقية واجمل ايقاعا انه يطلق مخلوقات تثري لغتنا الأشاريه .. وتملأ فراغ اللون في محاجرنا العطشى .. |