كنت اتابع بفهم حي   محاولته لنفي صفاته  الذاتيه ، تماهيه في الكشف ، ملتبسا ووحيدا في حركه لولبيه ، مثل جدل مر مع بيئته .. ومع نفسه بغية ان يعطي ثمرة جنّته  . انه يكتشف موادنا ، وكأنه يجيب على اسئلة البوب آرت في مواجهة عبث اي فن مقابل الروح الأستهلاكيه التي تعم حياتنا وترمي كل شيء  الى الخارج  حيث يلتبس مرة واحدة مشهد النهارالصاخب  ..ويتغير بصريا مشهد الليل وتصبح  الصورة مثل لعبه لاتتوقف  من الضوء والظل ..و لايتبقّى  للنحات الاّ حدود مادته  ومهارته ..ولكنه في حالة صديق واصل  دون مادته ..حين توفر له اوهام الحياة مادته الأستهلاكيه المنفيه خارج المعنى ليكرس الحقائق عبر فنه  .
*
بلاغته في مادة صعبه  مبدده من كل معدن وكل مصدر ، وهو ينحت رؤى وعلاقات ، من مواد تشكل جوهر تبديدنا لواقعنا ، يختار صديق واصل ان يفقدنا هذا الوعي ‘ وعي مشكلتنا ‘  حين يرتب تلك العلاقات  والأشكال وفق رؤيا تحت درجة الصفر من العتمه ، ليختصر حلمنا ونحن مغمضي العينين .بغية انجاز  وهمنا البصري البعيد  .

*
كان الرسم مادته الجوهريه طوال الوقت .

و كان المسرح بالنسبة اليه محاوله للكشف ولم تكف فسحة الخشبة تللك .. مثلما هو في بحثه  يجتاز خامة اللوحه - وهرم الحدث من حوله.. يرسم زوال الحتمي وعندها يعطينا جرعة المغايرة في اعمال نحتيه من الحديد والورق  والعلب والبقايا  وهو يرتب اختلافات  مدغمة لظاهر منفي في حيرته .. انه يصوغ فكرته التي لاتبدو نهائيه : تحول  الشكل وتغير المادة  وهما  درجتان  لمزاجية النحات اليوميه حيث يقيم  صلات وسط شتات ونفي ..ورفض ، باحثا عن يقين عمله بين اصابعه .
*
في بقايا الحياة المنفية من معانيها يقيم النحات معناه الخاص ..اللامعنى . .

 فقد كان هدفه اقامة فضاء مفهوم على  كتلة الورق الذي يأتي  مضغوطا  في كتل مبهمة ، لكن مساحته المسطحه وهي   تقول اسرار خرساء ، لذلك  ينحت هو سر عبارته ، اعتراضه على هذه الأستهلاكيه التي تجتاح اللحظة ..طوال الوقت ليمنح اللحظة ايحاءها في زمن شديد الحركه ..شديد الحساسية حين يمارس ازاءه فعل النفي من خلال نقده .. او تقويضه . اعماله  بهيئتها الدلاليه  توميء بكل احتمال للمعنى  . ان الفنان غير معني بتفاصيل  خطاب عالم الأتصالات، وان كان مهتما بلوازمه  ،لكنه مهتم بمرموزاته ورسائله .. اليس العمل الفني – النحت احد وسائل التعبير المفتوح معرفيا !!

*
وهو المشغول طوال الوقت بمعارض ومساهمات وحضور على مستويات متنوعه محليا وعربيا وعالميا  .. يلاطف في احتفائه اليومي  مادته بحرقة وعيه ، يشحن مادته المرميه ، مانحا اياها اشارات خفيه وافكار ..  وفي مرور يومه ثمة ذكرى لأحتمال غد يستعيد مادة الأمس  وكأنها قرن من المعارف والهواجس الراحله ..غرائبية  صديق واصل وهو ينجو من موضوعته بأنجاز عمل لايسمّيه ..  مثل الهة اغريقيه تتعرى في مدينة لازمن لها حيث تحتفي الفلسفه بالكلام فيما النحات يحتفي بالحديد والنحاس والورق ..والعلب ..والواجهات ..

 

ماتبقى  يبدو مفرغا من بريقه  ..عاريا من المضمون ليعيد النحات شحنه بالمعرفه  والدهشه،  فضاؤه ملقى خلف الرؤيه التي لاتقبل املا كاذبا ولا اختلاط العبارة انما بلاغه الشكل ..وغرائبية المادة .
*
وهو يقيم معرضه الجديد ، خلال صيف 2009

تلتحق اعمال صديق واصل بحضورها مثل سبايا  تقنيه مجهضة من عصر لاهث وراء  عبارة او عنوان ..حيث تلخص اعماله في كثافتها المضغوطة اوهام جمهور شفاهي لايتقن لعبة الكتله ، وهي تثبت عكس توهمهم  لكل رمز ..جمهور ساخر من نفسه لأنه افتقد المعرفه بالفنتازويا الى معرفة غائبه  او مغيِّبه – بكسر الياء وتشديدها - .. ولذلك يعيد صديق واصل رسم شكل الحرف وايحاءاته ..والشكل ومايومي به  ..الماده الصعبه  وطواعيتها ..مهنه صعبه لأبتكار معرفة ..ودلاله .

*
في رسومه ، وهي اعمال مهمه  ، كما في اعماله  النحتيه ، لاشيء يتشابه في بيئته  وهو يشتغل ، لاشيء يسكن حجارة فكرته غير التفجر المحتمل للمعاني  ، لكن صوته المعلن يشبه نفسه ، هذا الفنان يريد ان يكون بيانه حداثيا لاوصفيا.. يريد ان لايستعير المتلقي  عصر غيره بل انه يريد ان  يبتكر عصرا ..

 وفي معارضه  خصله من ريح تؤسس لأتجاه روّاده .. ووعيهم ..ذلك هو الفنان !