يحمل أحد شخوصه ملامح جرذ، وآخر ملامح ضفدع في أجواء مقاربة لعالم غويا القائم على التشويه في أصل الأشياء وليس التش ويه المفتعل. تترهل الأجساد أيضاً، وهذا جامع آخر بين المنحوتات التي تبدو بلهاء بكل ما تحمله من تعب، فكأن الفنان يريد تحميل بدانة أشخاصه ملامح الشيخوخة المترهلة. يستفز عالم البلاهة محمد عمران، كما تستفزه الشروخ البشرية التي تحملها الأجساد وما ترتديه من ملابس، فتحمل بعض نسائه شروخاً تقسم الجسد نصفين. يقول: "بدأت الفكرة من رؤية بصرية واضحة، وهي الخط الذي يفصل الإنسان، كخط الفصل في القميص، أو كشكل العضو الأنثوي الذي يقسم المرأة نصفين". تظهر في الانقسامات البشرية مدلولات عذاب وتعذيب تفضي بالمرأة إلى هذا الشرخ الجسدي والنفسي، فظهرت عليها ملامح الخوف الذي تبوح به حركة الأطراف في المنحوتة.
منحوتات محمد عمران التعبيرية تُجيد الحركة بقدر ما تسعى إليها من خلال الحيز المكاني الذي صنعه وأوحى به في بعض الأعمال. يقف أحد شخوصه في أعلى الدرج، وقد أدار ظهره استعداداً للطيران، فهو الأقل ترهلاً وتشوهاً في المجموعة. كأنه الفنان نفسه. حتى الدرج يشبه الى حد كبير درج مرسمه في دمشق، يعترف محمد عمران: "نعم هذا درج مرسمي، وهذا الشخص يشبهني، فشخصياتي أناس مثلنا، أعرفهم، وأعرف بشاعتهم وبلاهتهم".
منحوتة الرجل والدرج قديمة، أنجزها عمران في فترة عمل خلالها على علاقة الشخوص بالأشياء الثابتة، كالكرسي الذي التصق ببعض أشخاص معرضه فحاولوا النهوض عنه إلى الحيز الذي تركه لهم. تحمل بعض هذه الكراسي عجلات صنعها في مرحلة الدوائر التي أعطى الأماكن فيها ملامح متحركة.
الانتقال إلى الغرفة الثانية من الصالة يعني دخول عالم جديد من عوالم عمران، مشابه لعالمه في الغرفة الأولى لكنه متطور عنه. تختمر الدوائر في رأسه هنا، فيخلق من الشخوص موكباً متحركاً من البشاعة والترهل. خمس منحوتات بأحجام متفاوتة ووضعيات مختلفة، وضعها عمران على عربات لتمضي بما يشبه الموكب فوق بساط أحمر.
ربما أراد إسقاط موكبه على مواكب تمضي في دمشق أو في أي مدينة أخرى. لم يضع له عنواناً تاركاً للمتلقي الحرية في تحديد الموكب، يقول: "يغريني كثيراً أن أرى نسقاً من الناس يمضون بدوائرهم، ولو امتلكت المزيد من الوقت لتحول المعرض موكباً كبيراً".
بين القسوة والتشوّه، تظهر السخرية واضحة في الأعمال، يقول عمران إنه يستمدها من واقعه، ومن مناخ السخرية في أعمال النحات السوري ماهر البارودي.