1- مستوى الرمزية والتكنيك الجرافيكي:
وتمثله الأعمال ذات الحجم الكبير، وهي الأكثر أهمية في المعرض من حيث تصالح الفنان مع أدواته وإمكاناته التشكيلية التي تعكس أسلوبية واحدة متطورة وقادرة على إحداث فعل الدهشة في ذهن المتلقي لما فيها من تميز في عوالمها التي تغني العمل الفني والتي تنبئ بدورها عن مستوى متطور في الرسم ومن ثم صياغة اللوحة من زاوية بسط العناصر المتناولة في المحيط العام وتطويعها بأسلوب الحفر الجرافيكي الذي يشترك معه اللون ضمن تونات محدودة تعكس درامية المشهد وتخدم فكرة العمل وتنهض به عبر شخوص إنسانية تمثلها المرأة بوضعيات مختلفة في انسيابية جسدها، أو عناصر حيوانية أو رموز مستقاة من الأساطير.. حيث تتداخل فيما بينها لتؤكد حالة حلم أرادها الفنان وجسدها باقتدار لتخرج إلينا عالماً شديد التآلف في بعده البصري وفي توليفة الألوان رغم محدوديتها، ليقدمها لنا بإطار حداثي يغتنم أية إشارة لإغناء عمله الفني بذكاء وخبرة أثرت الفكرة وعملت على تميز هذه الأعمال وتألق حضورها.
2- مستوى البحث عن حلول تشكيلية عبر (الكولاج):
ويمكننا ان ندرج فيه الأعمال الصغيرة التي نفذت بروح واحدة بعيدة عن أسلوبية أعمال المستوى الأول.. وقد استطاعت أن تلفت الانتباه إليها لأناقة إنجازها وإخراجها.. ولما فيها من أجواء تثير الخيال كثيراً، حيث تضع المشاهد مباشرة في مواجهة عوالم فيها البساطة والعمق معا وفيها التجليات التي تضعنا أمام تفسيرات تحتمل الكثير من التأويلات واستحضار المعاني التي تحمل وجوهاً عديدة لحالة تستمد سماتها من أشكال زخرفية حملتها - الحصى - التي شكلت بؤراً مهمة في جميع أعمال هذا المستوى والتي نسج الفنان - الوهيبي - من خلالها عوالم تحيط بها وتستمد مشروعيتها من خلال خطوط جريئة ومتعرجة فتخلق من حولها حصناً أو سوراً يذكرنا بأعمال الفنان - جوان ميرو - من حيث البساطة المطلقة التي تكتنز بإيحاءات غنية ومتنوعة.. وقد ارتدت هذه اللوحات في العموم طابعا تزينياً يؤهلها لأن تكون ملائمة لتزيين الجدران والقاعات العامة فتضفي عليها جمالية من نوع خاص.
3- مستوى مجاراة تجارب التجريد المعاصرة:
وهو الذي شمل أعمالاً أخرى - قليلة - بعيدة في تكوينها وأسلوبيتها عن المستويين السابقين من حيث الصياغة والمفردات، واقتصرت على مساحات لونية واسعة تستند كلياً إلى عوالم تلعب فيها الألوان الحارة دوراً كبيراً وقد تخللتها هنا وهناك بعض العناصر التي ساهمت في إيجاد توازن ربط هذه المساحات مع بعضها لتقدم بعداً عضوياً متماسكاً يصعد باللوحة إلى المستوى الجمالي المنشود الذي يؤطر هذه التناغمات ويعطيها سماتها النهائية.. ولعل التميز الأكبر في هذه الأعمال ما لمسناه من إمكانات فنية لدى الفنان - الوهيبي - كملون يجيد استخدام تونات حارة ودسمة تثري نسيج اللوحة وتغني عمقها.
وانطلاقاً من هذا السبر لأعمال معرض الفنان - محمد الوهيبي - يمكننا القول إننا شاهدنا إنجازاً تشكيلياً ثرياً ومتميزاً استطاع أن يؤكد حضوره بقوة في سجل المعارض التي شهدتها الدوحة خلال الفترة الماضية.. لقدرته على تناول عوالم فريدة وخاصة وترجمتها عبر فهم عميق للأداة التشكيلية الماهرة التي امتازت بتحقيق بعد تعبيري لافت، نفذته خبرة الفنان الواسعة ورصدته بعين ذكية استخلصت العناصر المكونة لتجربتها عبر مواكبة جريئة للحداثة التي تجسدت عبر اللوحة ذات البعد الجمالي الطاغي والفكرة التي لم تكن طارئة أو هلامية.. بل شديدة الالتصاق بمضمون يرقى إلى مستوى صياغة عمل فني تتكامل فيه العناصر.. ولذا جاءت الولادة الفنية مشرقة وذات تأثير له صفة الديمومة والانتشار الواسع.