- غاب النقد، لعدم وجود نقاد فنيين في بلدنا، باستثناء عدد محدود، فاتخذ الكثيرون من كتاباتهم عن الأعمال الفنية إما وصفاً سردياً لحجم اللوحة أو المواد المستعملة فيها، مع آيات الثناء والمديح إن كان الفنان تربطه بهم صداقة، والعكس صحيح، فبعض النقاد يتجاهل فناناً صاعداً مبتدئاً، ولا يتنازل بالكتابة عن معرضه وأعماله الفنية.
ثم إن النقد الصحفي وضع بعض الفنانين في غير مكانهم، رغم أن الحركة التشكيلية الأردنية وُثقت صحفياً ولم تُوثَّق نقدياً.
الثقافي هل كنت تبحث عن هوية فنية محددة، وهل وجدتها؟
- البحث عن الهوية مهم، سواء لي أو للفنانين العرب الذين درسوا في أوروبا أو أميركا وبقية بلدان العالم، إذ أرادوا تمييز لوحاتهم عن اللوحة الأوروبية، فلجأ عدد منهم الاستغلال تراثهم ونماذج من آثارهم أو فنونهم الشعبية، وعدد منهم لجأ إلى استغلال الحرف العربي الذي يتمتع بجمال رائع، ويعد من كنوز حضارتنا بليونته وانسيابيته وإمكانية التشكيل فيه، وكنت واحداً من هؤلاء، فاستعملت الحرف لآيات أو جمل، وكذلك كحرف مجرد.
الفنان لا يخفي الفكرة التي تتجول في مخيلته، ول يسعد كثيرا بطرح الجديد للجمهور، وأرى أن كل جديد مساهمة في النسيج الفني البصري العام ضمن الحراك الفني العالمي.
الثقافي لماذا لم تذهب إلى منطقة التجريد للآن، رغم أن التيار جرف الكثيرين، وما رأيك بهذا التيار؟
- لي محاولات في التجريد، لأنني أبحث دائماً في التجريب نجحت في ذلك أو لم أنجح، ولي تجربة تضم مئات اللوحات التي اعتمدت على التجريد. التجريد مساحة حساسة، ولا بد من الذاهب للتجريد أن يكون قد ترك خلفه سنوات طويلة من التجربة والبحث، والتجريد لا يعني ضياع الهوية اللونية، إنه ليس تهويمات أو تدجيلا لونيا كما يحلو لبعضهم أن يخدع الناس والجمهور.
الثقافي البنية الثقافية العربية العامة مصابة بهشاشة فكرها، هل انعكس ذلك على الفن التشكيلي؟
- مجموعة الانكسارات والهزائم التي منيت بها الأمة تفرض واقعا فكريا صعبا، وكذلك تؤثر في رؤية الفنان رغم أن الفنان لا بد له من التعاطي مع الحالة بطريقة مغايرة، ويرسم ويقدم الإبداع، لكن تخلى الكثيرون عن إرثهم، وعجزوا عن تقديم لوحة تدافع عن قضايانا.
الثقافي هل من الضروري أن يتكئ الفنان على ذاكرةٍ ما.. المكان مثلا، أو الذاكرة الشعبية، أو التاريخية، أو الاسطورة.. وهل يعدّ ذلك عجزا، أم مجرد محاكاة تخيلية؟
- ليس عجزا أن يتكئ الفنان على أي مصدر، بل إن ذلك احترام وتقدير من الفنان لما يتناوله. في تجربتي الفنية استندت إلى الكثير من الرموز والمفردات الشعبية من القباب والبوابات والزي العربي والنباتات العربية والوحدات الزخرفية الإسلامية، وغير ذلك من الرموز الشعبية. وفي هذا المجال أشير إلى أهم المفردات التي ضمنتها للسطوح التصويرية في لوحاتي، وهي الرسومات النبطية التي يعود تاريخها إلى ثلاثة آلاف سنة، وهي تحمل تجريدا وتبسيطا غير مسبوقين تعرف إليهما أصحاب المدرسة التجريدية الحديثة قبل نحو ستين سنة فقط.
الثقافي استخدمت الحروفية العربية في لوحاتك، ومثلك فنانون تشكيليون كثر في الوطن العربي، هل كان الحرف مجرد حامل وساند للموضوع، وهل حقق الحرف للّوحة هوية إبداعية، وما مدى ما قدمه الحرف للّوحة في الساحات الفنية العالمية، أم إنه كان محط إعجاب لا أكثر؟
- الحرف إرث، وإن أجمل أبجدية على الإطلاق هي الحرف العربي، لأن فيه موسيقى ورشاقة وإنسيابية حروفية غير متوافرة في أي من أبجديات الشعوب الأخرى، وبالحرف العربي يمكن أن ترسم لوحات وفضاءات كاملة، كونه حرفا مطواعا.
لقد كان الحرف في اللوحة هو الهوية، والذين قدموا الحروفية بصياغات مختلفة كثر، وكان الاختلاف في الطرق مفيدا للفن العربي وهويته، حيث سوّق اللوحة عند أذواق مختلفة. والسؤال: لماذا ننكر جمالية الحرف العربي، وفي الفاتيكان قاعة طولها مئات الأمتار هي عن الخط العربي؟ ألا يحق لنا أن نفتخر ونهتم بما لدينا؟!.
الثقافي بعد مسيرة فنية زاخرة بالإنجاز والبحث، كيف وجدت تفاعل المتلقي - الجمهور، مع لوحاتك؟
- الجمهور الأردني، جمهور مميز، أصيل في عروبته، متمسك بتقاليده وتراثه، وقد يكون من أسباب ذلك موقع الأردن الجغرافي الذي جعله في موقع القلب للعالم العربي، مما جعل الحضارات القديمة من اليونانية والرومانية تهتم به، والدليل على ذلك آثارها في جرش وأم قيس، وحضارة الأنباط التي كانت عاصمتها البترا، ووصلت أطرافها إلى تدمر شمالا، وشمال المملكة العربية السعودية جنوباً، وقد تركت من الآثار ما يجعلنا نفاخر به، ولم يكن اختيار مدينة البترا كإحدى عجائب الدنيا السبع إلا دليلا على ذلك، والقصور الصحراوية العديدة التي بناها بنو أمية شاهد على روعة العمارة الإسلامية، ويحق لنا أن نفاخر بآثار عين غزال وتماثيلها التي تعود لخمسة آلاف سنة قبل الميلاد.
والأردن كما كان البوابة للفتوحات الإسلامية، كان بلد انتشار المسيحية في القدم، وفي أرضها عمّد السيد المسيح عليه السلام، وكنائسه القديمة تعد من أروع الكنائس في الفسيفساء، وكذلك جمال الطبيعة التي وهبها الله لنا من سهول وجبال ووديان وصحارى. الأردن الذي تناطح قمم جباله السماء فيه أخفض نقطة فوق سطح الأرض في العالم، وسكانه تعمرهم المحبة: المسلم والمسيحي والدرزي والشركسي والشيشاني والأرمني، البدوي والفلاح وابن المدينة. هذا الإرث الحضاري جعل من شعبه متذوقاً للفن، فن الشعر والغناء والموسيقى والخط والتشكيل، وإن كانت الحركة الفنية الحديثة لم يتجاوز عمرها ستين عاماً، إلا أنها استطاعت أن تواكب الحركات الفنية في الأقطار العربية الشقيقة، كسوريا ولبنان والعراق ومصر.
الثقافي ما أهمية البحث والتواصل والأسفار بالنسبة للفنان؟
- الثقافة والاطلاع إلى جانب الموهبة أمر في غاية الأهمية، لقد مارست الرسم نحو ستين سنة، وعندما أطلع على تقنية جديدة، أو أكتشف خامة ما، أو أتعرف على حضارة معينة، أشعر أنني أتعلم، وأنني للتو بدأت البحث. المطلوب من الفنان العربي أن يبحث في حضارات موجودة في بلده، وهي حضارات تضم كنوزا يمكن أن تشكل مصدرا بصريا غنيا ومجالا لإلهامه، ليقدم إبداعات جديدة، ولا يبقى حبيس التقليد. ومن حسن الحظ أنني أقيم في عمان، مدينتي، سليلة الحضارات، والتي تغمرني سكناها بالمحبة، وأحلم بتدوينها تشكيليا.
الثقافي لماذا لا تلقى الأنماط الفنية الهجينة، مثل الفيديو آرت، والعمل الإنشائي والتركيبي، إقبالا من الجمهور؟
- الأساليب الجديدة مجرد موجات تطرأ على ساحة الفن، بحسب حاجات السوق والناس، وهي لا تدوم لأنها نتاج رغبة ملحة وسريعة، لكن اللوحة ستبقى مع المتلقي، لأنها إبداع يحمل التجريب ويحمل فكرة وصفات جمالية، ثم إن التعاطي مع فيديو آرت أو عمل تركيبي يحتاج إلى مكان وأجهزة ومعدات، مما يجع عملية التذوق أمرا معقدا.
الثقافي بماذا تنشغل الآن، وهل تجهز لمشروع فني جديد؟
- أخطط لإقامة معرض للفنانة الفلسطينية الراحلة فاطمه محب، ضمن احتفالات القدس عاصمة للثقافة العربية 2009، حيث أمتلك عددا كبيرا من رسوماتها. والفنانة محب من أقدم الفنانات الفلسطينيات، كانت حضرت إلى الأردن، ورسمت هنا، وشاركت في معارض فنية، وقد درست الفن في مصر على نفقة الملك فاروق.
الثقافي بيتك متحف تشكيلي. ما هو نصيب عمّان كمدينة من هذا البيت؟
- في بيتي وثقت للحركة التشكيلية عموما، والأردنية خصوصا. الوثائق واللوحات تشكل نواة متحف مصغر لعمّان يضم أعمالاً لرسامين ومصورين وخطاطين، وفيه تحضر الأمكنة والمنجزات الإبداعية المختلفة، حيث يرصد المدينة من جانب بصري فني.