تعتقد أن المرء لا يستطيع أن يكون ثورياً في الفن
سارة شمة: أحببت أن أرسم نفسي طفلة تستمر الفنانة التشكيلية السورية سارة شمّة في تجربتها، وقد أقامت منذ مدة معرضاً في »آرت هاوس« تحت عنوان »سارة ١٩٧٨«، وهو عنوان لوحة رسمتْها سارة لنفسها في إطار اشتغالها على موضوع الطفولة: »اشتغلتُ على موضوع الطفولة فأحببت أن أرسم نفسي طفلة«، كما قالت لـ»السفير«. ولكن هل قررت الفنانة سلفاً أن تخوض في موضوعة كهذه أم أن الأمر جاء محض مصادفة؟ تقول: »بدأ الأمر مع لوحة رسمتُها لأم وطفل، لكنني لم أستطع أن أخرج من عوالم اللوحة. رأيت كثيراً من الأطفال الذين أعطوني الإلهام، صوّرتُهم، تعرفت على تشريح الطفل. وأنا في الأساس أحب اللعب مع الأطفال، وأعتبر ذلك الحب غريزياً. تعبير وجه الطفل حقيقي بشكل مدهش«. وهنا تشير شمة إلى لوحة رسمتْها لأخيها عمر وهو لم يتجاوز الثمانية أشهر »أحببت تعبير وجهه، وكم فيه من استقرار، أحببت ذلك الوجه وتلك النظرة التي تبدو وكأنها تعرف ما تريد، وهو يبدو كذلك الآن وهو في عمر الحادية والثلاثين«. وفي ما إذا كانت القراءة حول عوالم الطفولة أحد مراجعها في موضوع الرسم تقول: »ليس معقولاً أن أقرأ لأفهم الطفل. الفهم حالة تواصل حسيّ، المعرفة العقلية مهمة، ولكن الحس مهم وحقيقي أكثر«. أما التجربة والمعايشة ودورهما في عمل كهذا فتقول: »يهمني أن أعيش التجربة وأخزّنها، كل ما يعاش من أصغر الأشياء إلى أكبرها يجري تخزينه بشكل صور وأصوات وروائح وكلها قد تظهر في اللوحة، لأنني حين أرسم أترك عقلي متوقفاً. أحياناً تظهر في اللوحة أشياء حلمت بها منذ الطفولة. لكن ليس بالضرورة أن تجربةً أغنى تعني لوحة أهم وأغنى«. ولكن من أين تبدأ اللوحة عندها، من فكرة، أم من صورة، أم ماذا؟ تقول شمة: »تبدأ لوحتي من البياض، بل غالباً من المساحة المحددة التي يخطر في بالي الرسم عليها. ثم أنتقي الريشة التي تعجبني في هذه اللحظة، وغالباً من دون أي تصور، ربما أعمل بورتريه، أو أرسم امرأة ترقص، أو طفلاً، أحياناً أقرر شيئاً ويظهر في اللوحة شيء آخر. لكن لم يحدث أن عرفت كيف أخطط للوحة. تهمني حالة الاسترخاء التي تحوّل المرء إلى نبع تخرج منه أشياء مفاجئة. لا تهمني الأفكار والتحديات، فالمجتمع لا يغيره الفن، رغم أن هناك أمثلة جميلة في تاريخ الفن عن تأثير الفن بالمجتمع، لكن الفن فن والسياسة سياسة، المجتمع يغيّره الاقتصاد أكثر. ورغم أنه يهمني أن يحقق شغلي أكبر تواصل مع الناس، فإنني أعتقد أنك لا تستطيع أن تكون ثورياً في الفن، عليك أن تترك بصمة وأثراً، حين تحرّك شعوراً وإحساساً فهذا شيء ثوري، هذا هو التغيير الذي يهمني«. وقد يكون هذا الكلام هو مصدر ما يسوقه البعض ضد الفنانة حين يقولون إن لوحتها للصالونات وحسب، ولكنها ترد بالقول: »قبل أن تباع اللوحة ستسلك طريقها إلى الناس في المعارض، وستشاهد من أكبر شريحة ممكنة، فهي ليست فقط للصالونات، لكنها في النهاية لا بدّ أن تستقر في البيوت، فهذا أساس الانتشار«. كسر إيهام ملفتة في أعمال الفنانة سارة شمة تلك المحاولة الدائبة لكسر الإيهام في اللوحة، إنها شديدة الواقعية في الغالب، لكنها تترك بعضاً من ضربات الريشة هنا وهناك، كأنما لتذكّر بأن ما نراه في اللوحة مجرد رسم لا حقيقة، تقول: »أحبّ التضاد بين الواقعي واللاواقعي، بين ضربة الريشة الناعمة والخط القاسي. أحب فكرة الخربشة فوق اللوحة، وأحس أن فراغاً ينشأ بينها (الخربشة) وبين اللوحة، كما لو أن اللوحة مستويات. أستمتع بأن أرى اللوحة على طبقات. قد تكون سماكة اللوحة نصف سنتميتراً، ولكن حين تنظر إليها تجد فيها أسطحاً كثيرة. الخط الأبيض عندي دخيل على اللوحة، هو الآخر تجد أن بينه وبين اللوحة مسافة، إنه بعد ثالث«. أما التجريد بالنسبة للفنانة فـ»لا أفكر به، وهناك أشياء كثيرة في الواقع تشدني أكثر، لكني أحب النحت كثيراً وأتمنى أن أمارس النحت يوماً، ولكني لم أشبع من الرسم بعد«. ولدى سؤال الفنانة شمّة عن أكثر الفنانين تأثيراً بها قالت: »إذا كنت أحس بعلاقة خاصة، فإنها مع الموسيقى، هناك تواصل حسي معها بشكل غريب، أما الفنانون فقلّما يؤثر بي أحد منهم، مع أن بعضهم يعجبني كثيراً. لا يؤثر بي الفن الذي لا يخلق لدي تأملات وتساؤلات، وهذا هو شأن الموسيقى بالنسبة لي، تلهمني الموسيقى أكثر من اللوحة، أحب موسيقى البلوز، الهارد روك، الموسيقى الصوفية من الهند وباكستان وحلب وكل أنحاء العالم. أنا في حال استكشاف دائم للموسيقى«. (دمشق)
|