في المملكة العربية السعودية نظم الفنان التشكيلي السعودي سعد العبيد أخيراً ملتقى فنياً تشكيلياً شارك فيه نحو ثلاثين فناناً تشكيلياً يحملون جنسيات عربية.
يواصل العبيد منذ سنوات جهداً يجمع فيه الفنانين التشكيليين من مختلف المدن السعودية بل انه سعى الى فتحه على بعض المقيمين العرب من الفنانين والرسامين، ودعا في هذا الملتقى فنانين من دول مجلس التعاون الخليجي وقد استجاب للدعوة منهم اثنان هما سيف العامري من عُمان وعدنان الاحمد من البحرين.
كان اللقاء الذي مثل فيه السعوديون النسبة الاعلى حميمياً عاش فيه الفنانون على ارض واحدة، وفي مكان واحد، يرسمون ويتحاورون ويتشاكون همومهم ويتذكرون. والمناسبات التي يمكن ان يلتقي فيها عدد كبير من التشكيليين في السعودية، قليلة، وقد تكون - اذا حدثت - قصيرة المدة، وكان آخرها خلال انتخابات الجمعية السعودية للفنون التشكيلية التي ضمت الفنانات التشكيليات الى جانب الفنانين، لكنه لقاء يوم واحد فقط.
اللقاء او الورشة الفنية التي نظمها العبيد كانت بمثابة تجديد لقاء، وربما شيئاً من لمّ شمل عدد من الفنانين، أسماء محددة تتقارب في الاعمار ويلتقي كثير منها في الافكار. هذه الفكرة ربما لم تكن كذلك عندما انطلقت بسيطة من مشغل سعود الدريبي في الدوادمي، ثم في منزل عبدالعظيم الضامن في تاروت في القطيف في المنطقة الشرقية. لم احضر المناسبتين السابقتين ولا اعلم بما تضمن برنامجهما، لكنها الرغبة في اللقاء، ورغبة المنظم (العبيد) وهي تتسع بحسب تصوره الشخصي للمناسبة، الا هذه المناسبة التي سماها بالملتقى وجدت معارضة لدى بعض المشاركين في اللقاء الاسبق عند الضامن بحيث اشار القطري محمد عتيق الى انه لم يتفق المشاركون على مثل هذا التغيير الذي احدثه العبيد، فالفكرة لا تتعدى لقاء يحمل اسم «تواصل» ويجمعنا بعيداً من أي جهة رسمية، وبحسب ما يتاح لنا من امكانات.
استطاع سعد العبيد الاسهام في انشاء جماعة «الوان» التشكيلية في مدينة الرياض قبل اعوام، وقد تواصلت اعمالها مع مجموعة من الفنانين توسعت في ما بعد، مع تباعد بعض الاعضاء، وضمت اخيراً اسماء بعض المدن السعودية ولم تزل، ولكن بغير القوة التي بدأت بها او حتى بعض الاسماء. وتقابلها في الرياض مجموعة تحمل اسم المدينة وبالخطوات نفسها والتأني الذي بدأت به.
في مدن اخرى ظهرت جماعات في اوقات متفرقة، ولكن لم تكن هناك لقاءات موسعة. كانت المعارض وافتتاحاتها فرصاً للقاءات الفنانين التشكيليين. لم تكن هناك الا جهود بعض الجهات الحكومية كالرئاسة العامة لرعاية الشباب خصوصاً في بعض معارضها المبكرة ولفترات قصيرة لمناسبة افتتاح معرض مركزي على سبيل المثل.
على المستوى السعودي هناك ملتقى انظمه - كل اسبوعين - في مرسمي في الدمام يحضره عدد من فناني المنطقة الشرقية، ونستضيف احياناً فنانين من مدن اخرى أو من بعض دول الخليج، وفنانين من عرب مقيمين في المملكة. والملتقى الذي عرف بـ «الاربعائية» له قرابة الثلاثة اعوام او تزيد وهو مجال لطرح بعض الهموم التشكيلية المحلية او عرض اعمال او تجارب او كتب، او مناسبات.
واللقاءات الاوسع عرفتها بعض دول الخليج العربية من خلال سمبوزيوم او ورشة فنية تكون غالباً مفتوحة على فنانين محليين وعربها او ابعد من ذلك ولفترات تتجاوز عادة الاسبوع. وهنا تكون الفرصة مناسبة لحوارات ومناقشات وافادة واستفادة لسبب ان هناك تنوعاً في التوجهات والاهتمامات واختلافاً في الاعمار والخبرات والطموح والجرأة. وقد نظمت مثل ذلك كل دول مجلس التعاون الخليجي ما عدا السعودية وشارك في قليل من هذه اللقاءات فنانون او نحاتون سعوديون.
الملتقى الذي نظمه الفنان العبيد وقد منحه تسمية «الملتقى التشكيلي العربي» حضره من المغرب الفنان محمد البوكيلي، وما عداه كانوا من العرب المقيمين في الرياض او جدة، وكما اشرت حضر اثنان من دول مجلس التعاون الخليجي.
برنامج ملتقى الفنان العبيد ربما يكون باكورة نشاط اوسع مستقبلاً، فهو لم يتعد الرسم المباشر للمشاركين وزيارة غاليري «حوار» ونقاش في نهاية الملتقى. والتسميات العربية كان آخرها «المهرجان العربي الاول للاعمال الفنية الصغيرة» في جدة، وكان بالفعل كبيراً بأسمائه، لكنه لم يلق ما كان مأمولاً منه خصوصاً ان المشاركين كانوا موعودين بحضور المناسبة واقامة فعاليات مختلفة وقد تأجل موعد اقامة المهرجان مرات، وافتتح اخيراً بغياب الفنانين التشكيليين السعوديين عدا فناني مدينة جدة. وهذه المناسبة معرض كبير ربما يسعى منظموه الى تقريبه من البينالي، لكن التجربة في الواقع لم يحالفها الحظ ولم تجد الدعم الذي يكفل نجاحها.
ملتقيات سابقة في السعودية منحت الصفة العربية وهي في الواقع محدودة العدد العربي الا من خلال المقيمين ايضاً، وبعض المشاركين لا يمثلون مستويات او تجارب مشهوداً لها على مستوى بلدانهم، لكنهم ممارسون او محبون للفن، بالتالي فالجهود البسيطة لمثل تلك التجمعات تبقى بوادر اقرب الى الشخصية منها الى عمل متكامل يتضمن الانشطة الجانبية او الموازية ذات الاهمية. واذا اخذنا البرنامج المعد لملتقى الفنان العبيد على سبيل المثل فسنجد فيه زيارة لقاعة «حوار» وهي قاعة فنية نشأت حديثاً ونظمت بعض المعارض، السعودي فيها قليل. ومثل هذه الزيارة لا تكفي ضمن مناسبة لقاء في مدينة كالرياض فيها فنانون وقاعات عرض وانشطة.
وزارة الثقافة والاعلام السعودية كان لها حضور في ملتقى العبيد من خلال حفلة عشاء اقيمت بحضور وكيل الوزارة عبدالعزيز السبيل في منزل الفنان سعد العبيد، تم خلاله توزيع دروع تذكارية على بعض المشاركين.
بدأ ملتقى الفنان العبيد باستقبال الفنانين وببدئهم الرسم حيث جهزت ادوات فنية في مساحة محيطة بمشغل الفنان وكان الجو مهيّأ لذلك، وربما ساهم ايضاً في انجاح التجربة.
انجز المشاركون اعمالهم على قاعدة التوجه الذي عرف لاعمالهم ولم نجد اختلافاً لدى الاكثرية: عبدالله الشلتي ومفرح عسيري واحمد المغلوث وصالح المحيني وفايز الحارثي وسعيد العلاوي وصالح النقيدان وعبدالله الحجي وخالد الصوينع واحمد السبت ومحمد الحمد وحمد المواش وعبدالله نواوي وعبدالعظيم الضامن ووليد الطويرقي وخالد الصوينع واحمد الاعرج واحمد منشي وعبدالوهاب عطيف وسعود العثمان ومهدي راجح واحمد حسين وابراهيم النغيثر، ومن العرب: عدنان الاحمد (البحرين) وسيف العامري (عمان) واحمد دبا (سورية) واحمد صالح (مصر) ومحمد البوكيلي (المغرب) وصادق غالب (اليمن) وادريس فاعور (فلسطين).
وكان العبيد وجه الدعوة لأكثر من خمسين فناناً، وكان حريصاً على الحضور الخليجي. ونلاحظ ان حماسة بعض الفنانين المشاركين في اللقاء حفزتهم لتوجيه دعوة الى زملائهم لحضور الملتقيات المقبلة ابتداء من حائل فالقصيم والاحساء، الا ان الفنان القطري محمد عتيق قال لي اننا متفقون على ان المحطة التالية للعبيد ستكون في قطر، ولكن تحت اسم «تواصل».
* رسام وناقد سعودي