وطــــــنُـــه شــــــعــــريـــــةُ الـطـــــبــــيــــعــة يعرض علي شمس في «غاليري عايدة شرفان»، ساحة النجمة، 49 لوحة (زيتيات ومائيات وغواش) الى 2 ايار، تنشد جمال الطبيعة من جهة وتعزز رفاهية الاحساس باللون المموّه من جهة اخرى. يقول الفنان في بطاقة الدعوة ان رسومه شعر، لكن هذا الشعر إذ ينتقل من التجريدية الشكلانية في الزيتيات الى الغنائية التجسيدية في المائيات، فإنه ليبقى يخيّم بأنفاسه ومعالجاته على الاجواء، أياً تكن المادة المستعملة. يتمتع علي شمس بقدرة كبيرة على بسط الالوان الفرحة وتخفيف بعض صبغاتها الى درجة ان بعضها يذوب في البعض الآخر، كما يذوب العاشق في المعشوق، والحاضر في الغائب، على طريقة الصوفيين. ألوان ومساحات شبقة ومتصوفة في معالجة الطبيعة، تتقارب وتتجاور وتتلامس وتتجامع لتتماهى. ثم بتأنٍّ ودراية يضيف الرسام بعض عناصر قليلة تنطوي على ظلالية تذكّر بهيكليات بشرية او بمواقع معينة او بشطحات هندسية محددة لمنع انفلاشها على الارض الموحدة الصبغة احيانا. المجموعة المعروضة متماسكة بشكل طريف، فهي معالجة بأسلوب واحد. المائيات مناظر طبيعية، فيها القرميد الاحمر والاشجار الخضراء والقادوميات والدروب والغيوم الملبدة في سماء رمادية. اللوحات المرسومة بالغواش قريبة من الزيتيات لانها تجريدية تقريبا، وفيها البقع اللماعة والحارة. اما الزيتيات فهي الاهم والاكثر تعبيرا لانها في غالبيتها كبيرة القياسات حيث يأخد اللون مداه وتتكاثر العناصر الصغيرة لتكون الكتل الملتفة على نفسها تعبيراً دالاً على التوحد في المغزى. لم يعلق علي شمس كل اللوحات التي أنجزها للمعرض، لان المساحة المتوافرة لا تتحمل هذا الكم من الاعمال، انما ثمة بعض اللوحات تجاور تلك التي عُلّقت، وكأنها تنتظر العين الفضولية التي تلتفت اليها لتنتشلها من صمتها. عندما يقترب المرء من الفيترين يشعر بحرارة الالوان فيدخل الصالة بطيبة خاطر حتى لو كان من المارين العاديين، ليرتمي بصره إما على الاعمال المعلّقة وإما على ما هو مركون منتظراً دوره ليتم تعليقه. زرنا المعرض قبل افتتاحه وكان الناس والمارة يدخلون ويستفسرون بلغات اجنبية تسبب الدهشة لدينا، ذلك ان ساحة النجمة لا تزال محجة للسياح ولرجال الاعمال وللزوار المرحليين. لكن، هل يكفي الشعر ليجد المرء نفسه مدفوعاً الى اقتناء لوحة تتصدر غرفة الاستقبال؟ لا جواب لدينا عن هذا السؤال، انما نشعر بأن علي شمس لا يأتي في هذا المعرض بجديد يمكّنه من اختراق تلك المراتب التي عرفناها له في معارض سابقة. ما يرسمه فإنما يرسمه بنظافة ودقة وخبرة وشاعرية، لكن ذلك لا يكفي ليشعرنا بأن ثمة نقلة نوعية، أو بأن ثمة رفة قلب غامضة تدفعنا الى ملاحقة المضامين الكامنة وراء كل لون وكل حركة وكل اشارة. هل ينقص هذه الاعمال ذلك العصب المحرك والمنشط للتفاعل والتواصل؟ شيء من ذلك ربما. فعلى رغم الالوان الزاهية نحس بأن هناك نقصا ما. ينقّل علي شمس عينه كثيراً ويطبق هذا التنقل على ما يرسمه ويلونه. في الاعمال كلها شيء يقول ان أحداً قبله اختبر مثل هذه الاختبارات، ونجح ونال الشهرة. واعني الفنان اللبناني الراحل شفيق عبود. هذا لا يعني أن علي شمس يكرر التجربة، لكنه يقترب جداً منها ويتقاطع معها. كان علي شمس قد عرض مثل هذه الاعمال في معرضه الأخير في الاونيسكو، واليوم يتمم المشوار مع الطبيعة انما من دون اضافات فردية ولا لمسات جوهرية تميزها. غير أن ما يشفع لعلي شمس دوماً، هو هذا الشغف بشعرية الطبيعة مرتمية على سطح لوحة، حتى لكأنه يريد أن يجعل هذا السطح بيتاً بديلاً من كل بيت. وأيضاً وطناً بديلاً.
|