طارق عتريسي: أحجام الإعلانات الكبيرة هنا بلا مثيل في الدول المتقدمة
احمد بزون
تاريخ النشر
01/11/2008 06:00 AM
عتريسي: الخط في إشارات السير في بيروت يجب أن يكون غيره في الرياض (مصطفى جمال الدين) طارق عتريسي واحد من المصممين الغرافيكيين الذين نجحوا في حصد العديد من الجوائز من دول العالم، وهو ينجح اليوم في اصطياد الكثير من الالتزامات الفنية في العالمين العربي والغربي. هذا ما نهتدي إلى تفاصيله في موقعه الالكتروني (www.atrissi.com). يعيش في أمستردام، لكنه ليس بعيداً عن هويته. فهو غادر لبنان بعدما كان رابع دفعة في الجامعة الأميركية في بيروت تحمل هذا الاختصاص، وقد كان هذا المجال جديداً في لبنان. ربح في لبنان أربع مسابقات »إبداع« في ميدل إيست، مسايا واين وأرتيزان دو ليبان. درس الماسترز في أمستردام وكان بحثه عن التفاعلية في المالتيميديا. وأقام موقع الخط العربي على الإنترنت في العام ،٢٠٠٠ وكان من أوائل المواقع التي تقدم الخط العربي بعيداً عن التقليد. انتقل إلى مدرسة الفنون البصرية في نيويورك، وفي العام ٢٠٠٣ نال منها دكتوراه في التصميم الطباعي العربي والخط العربي الحديث. وهناك حاز الجائزة الأولى في مسابقة برنت (print) التي أجرتها شركة أدوب، والجائزة الثالثة للشركة نفسها في تصميم المواقع الالكترونية. وفي نيويورك أيضاً كان العتريسي واحداً من أفضل عشرين مصمماً دون الثلاثين من العمر نشرت أسماءهم مجلة PRINT العام .٢٠٠٥ وعندما عاد إلى أمستردام فتح دار تصميم يعنى بالخط العربي والتصميم الطباعي الحديث، واشتغل في تصاميم الجرائد، فحقق تصميم جريدة »الغد« الأردنية. وفي دولة قطر صمم شعار الدولة، وفي BBC وMTV في دبي صمم الخطوط العربية. ويستمر في إقامة ورش عمل في جامعات الدول العربية، ويحاضر في دول عدة بمعدل محاضرة كل أسبوعين. حقق تجربة إعطاء دروس الماسترز على شبكة الإنترنت بالتعاون مع اليونسكو، وقد انضم إلى هذه الدروس ٣٠ طالباً من جميع الدول العربية، كان على كل طالب أن يصور المشهد البصري لمدينته في طابعها العربي الخاص. وقد نشرت النتائج في كتاب صدر في العام الحالي تحت عنوان »سرديات بصرية عربية«. وهو يتابع حالياً مهام تصميم فني لشركات كبرى في الخليج وأوروبا وأميركا. أما الصيغة العامة لهذا العمل، فهي تقديم صورة العالم العربي أو الثقافة البصرية العربية بأسلوب حديث لا ينفصل عن التراث لكنه ينسجم مع الحداثة العالمية بتجلياتها الجديدة. لأنه ابن بيروت بدأنا أسئلتنا معه عن تقييمه للمشهد البصري فيها: عندما تتجول في بيروت وتتطلع إلى المشهد البصري فيها، كيف يكون انطباعك السريع إيجابياً أم سلبياً؟ ﴿ أنا أستلهم من بيروت أكثر من أي مدينة أخرى، لأنني ابن هذه المدينة وهذا الوطن. نحن هنا نشاهد الصراع في الشارع من خلال الرؤية البصرية التي أمامنا. بعيداً عن السياسة، ما نرَه في الشارع يشكل مادة بصرية غنية. كل إعلان أو ملصق فيه قوة وله رسالة، لكن مهما يكن فقد يكون له تأثير سلبي أيضاً. في بيروت ملصقات سياسية يتفقون أحياناً على نزعها، ثم بعد حين يغزون الشوارع بها. هل ترى أن بشاعة بعض الملصقات أو بشاعة تعليقها أو إلصاقها على الجدران تنعكس سلباً على أصحابها. ﴿ قد يحصل ذلك، فالطبيعة السياسية تختلف عن عالم التصميم. في الخارج صور السياسيين أو الملصلقات الحزبية مدروسة أكثر، من ناحية التصميم والفكرة والمشهد والرسالة وعلاقتها بالجمهور. هل تنصح السياسيين والأحزاب عندنا بالتعامل مع مصممين محترفين لخوض الحملات الدعائية البصرية؟ ﴿ من دون شك، هذا مهم، ليكون التأثير أقل سلبية على الأقل. الحملة الانتخابية نحن في لبنان ذاهبون إلى انتخابات نيابية. هل يمكن أن تعطينا فكرة عن كيفية إدارة الحملات الانتخابية بصرياً؟ ﴿الحملة يجب أن تدار من قبل شخص يعرف في هذا المجال، يستلم الحملة الغرافيكية. البعض يسلم هذه المهمة لإعلامي، لكن خبرة الإعلامي وحدها غير كافية في هذا المجال، يجب إضافة خبرة التسويق أيضاً، وفي لبنان تحديداً خبرة التصميم الغرافيكي وإدارة الهويات البصرية الواسعة والمتطلبة. من يُرِدْ أن يكون متطلباً فعليه أن يستخدم طرائق حديثة. يمكن للبعض أن يستخدم الصور، إلا أن البوسترات السياسية يمكن أن تكون أكثر جذباً من تلك القديمة. وكي تكون كذلك لا بد من البحث عن استراتيجيات جديدة مختلفة، ولأنها مختلفة يمكن أن تكون جاذبة. نفكر في الحملة بشكل شامل. المهم أن يكون هناك هوية للحزب، نطبق عليها كل ما يتناسب معها. لكن كما نلاحظ عادة يكون هناك صخب وفوضى في الحملات الانتخابية، أو حتى في نشر الملصقات عموماً. كيف يمكن للدولة أن تتصدى برأيك لكل هذا الصخب؟ ﴿ الأحجام الكبيرة للإعلانات العادية هنا لا نرى مثيلاً لها في الدول المتقدمة. الإعلان هنا يغطي أحياناً مشهد المدينة. نعم، يجب أن تكون هناك شروط تتعلق بالأحجام. أرى أن الملصق أيضاً يجب ألا يتعدى قياس (٥٠ ? ٧٠) . في أمستردام مثلاً ممنوع وضع إعلانات بأحجام كبيرة. مشهد الإعلانات في أوتوسترادات لبنان أقوى من قدرتنا على متابعتها، عدا عن البشاعة التي تحملها أحياناً. نحن في لبنان نتبع العصرية في إعلاناتنا، فهل تشدد مثلاً على الهوية اللبنانية وحضور التراث اللبناني كشرط جمالي؟ ﴿ الإعلان يجب أن يطلع من الواقع المعلن عنه. العصرية قد تنطبق علينا وقد لا تنطبق، لكن المهم أن يكون الأساس البصري المحلي موجوداً. لو سألناك مثلاً عن ألوان الإعلان المحلي، البعض يصر على ألوان العلم اللبناني أو أخضر الأرزة أو ما إلى ذلك. ما رأيك؟ ﴿ لا يمكن الكلام على الألوان هكذا بالمطلق. الموضوع هو الذي يستدرج اللون. اللون دائماً يتركب على الواقع الذي نعمل فيه. وفي لبنان لا ألوان محددة نصرّ عليها. في مواضع مختلفة لم أفكر في ألوان العلم اللبناني، إنما فكرت في الهوية والطبيعة. استخدام الأحمر والأبيض والأخضر دائماً يدخلنا في المونوتوم. مثلا لا ضرورة لوضع الأرزة الخضراء على طيران الشرق الأوسط. معروف أن الأصفر مثلاً ضروري في الإعلانات لأجل تأمين المشاهدة من مسافة بعيدة. ﴿ لكن إذا استخدمناه كثيراً يصبح مملاً. نحن نحتاج دائماً إلى التغيير. الخطأ هنا أن الناس يذهبون دائماً في تصميم شعاراتهم وملصقاتهم إلى شركة إعلانات. مثل هذه الشركة مهمتها وضع الإعلان في وسائل الإعلام أو الشوارع، عليهم أن يتوجهوا إلى الدور المختصة بالتصميم قبل أي شيء. عندما نخطو الخطوة الأولى بشكل صحيح يمكننا المتابعة. وشيئاً فشيئاً يتحسن الأمر. الخطاب البصري أنت تلعب بالخط العربي وتعيد تشكيله بعيداً عن الخطوط التقليدية المعروفة. ماذا تريد من هذا الخط؟ ﴿ أنا أستلهم منه. الخط هو الصوت واللهجة على الورق. الصوت يجب ألا يكون تقليدياً ومكتوباً. علينا تقديمه بحلة جديدة. إذا أردنا التقليد نستخدم الخط التقليدي، أما إذا أردنا تقديم شيء آخر ما علينا إلا أن نعكس هذه الرغبة؟ أنت صممت خطوطاً لإشارات الطرقات في أكثر من بلد. أي نوع من الخط مطلوب لشوارعنا مثلاً؟ ﴿ خط الشارع مهمته محددة، هي ليدلّ من يقرأه وتوجيهه، لذلك يجب أن يكون مبسطاً وواضحاً، بل يكون أليفاً للعين. لا يعني التبسيط هنا أن التنفيذ بسيط وسهل، خصوصاً أن الخطوط عندنا تكون بالعربية واللاتينية معاً، فالخط العربي يجب أن ينسجم مع اللاتيني، وفي الوقت نفسه يجب ألا يزعج ذلك عين المشاهد. العديد من المهتمين بخطوط الشارع يفضلون وضع الخطوط الطباعية التقليدية، التي يشاع استخدامها، كي تكون أليفة أكثر للنظر. أما أنا فأرى أن تبسيطها هو الأساس، والمهم أننا عندما نقرأ خطاً في بيروت يجب أن نراه مختلفاً عما نراه في شوارع الرياض، لأن طابع المدينة مختلف. هنا تكمن اللعبة. نريد أن نلحقك أكثر. كيف نميّز بيروت عن الرياض عملياً عبر خطوط الشوارع؟ ﴿ عملياً، يجب أن يكون المصمم لخطوط السير قاطناً في المدينة، يعرفها ويفهم الجو الثقافي فيها، فالخط يمكن أن يكون جزءاً من تاريخ المدينة أو مستلهماً من هذا التاريخ. أساس التصميم دائماً يأتي من أشياء بسيطة يمكن أن نلاحظها في طبيعة الشارع. أنت صممت خطوطاً لشوارع الدوحة في قطر، مع أنك لست قاطناً فيها. ﴿ الأمر كان صعباً بالفعل، لذلك اضطررت الى العيش سنة كاملة في قطر لأفهم طبيعة البلد. هناك مشاريع نفذناها في قطر لم يكن المقصود بها مخاطبة المواطن المحلي، إنما كانت تخاطب الزائر بصرياً، وتؤشر إلى انفتاح هذا البلد على العالم. مجال التصميم الذي كنت من الدفعات الأولى فيه في لبنان صار اليوم شائعاً. هل أنت على اطلاع على مستواه التربوي حالياً؟ ﴿ هناك تحسن ملحوظ في هذا المجال، يساهم في ذلك اكتساب العديد من المتخصصين خبرة عادوا بها من الخارج، لكن المشكلة أن عدد الطلاب بات أكثر بكثير من حاجة البلد. بين الفنون نجد التصميم الغرافيكي أكثر انفتاحاً على الفنون الأخرى، ما يجعل المصمم الناجح أمراً نادراً، كونه يجب أن يمتلك مواهب عدة في آن معاً. ﴿ أنا أحب في هذا الاختصاص هذا التنوع الذي تتحدث عنه، فيكون المصمم رساماً ونحاتاً وخطاطاً وسوى ذلك. فكرة هذا الاختصاص تنطلق من هذا التمازج. نحن نشتغل مع الهندسة المعمارية والمسرح. الغرافيك ديزاين أساس فكري وبصري، يمكن أن يكون تشكيلياً في طبيعته، ويمكن أن يكون فوتوغرافياً ويمكن أن يكون عاماً. لكن في أي حال التخصص داخل التصميم بات ضرورياً. أنا مثلاً أركز اهتمامي في تصاميمي على الخط والهوية العربيين. لماذا اخترت أن تقيم داراً ذات هوية عربية في أمستردام، لا في عاصمة عربية؟ ﴿ من الخارج نرى الأمور بتوازن وموضوعية أكثر. أنا كلبناني عندما أذهب إلى الخليج أكون مختلفاً في ما أفكر عنه في لبنان. وموقعي في أمستردام يساعدني أكثر على إيصال أفكارنا إلى الغرب أيضاً. لكنّ للغرب أفكارا مسبقة عنا. ﴿ نعم، أنا أهتم كثيراً بتغيير هذه الأفكار التي باتت تشبه الكليشيهات. أقيم توازناً بين نظرة الغرب إلى العالم العربي ونظرة العالم العربي إلى نفسه، وكذلك نظرة العالم العربي إلى الغرب. فهناك أعمال ننفذها في العالم العربي مهمتها مخاطبة الغرب، مثل تصاميم لتغليف التمر المصدّر إلى الغرب، وهي تختلف بالطبع عن تلك التي تصدّر إلى الدول العربية. هل ترى أن التعدد الثقافي في لبنان يساعد المصمم على التعامل أكثر مع ثقافات مختلفة؟ ﴿ هذا أمر إيجابي طبعاً. أي طموح تدفع به أمواج مستقبلك كمصمم ناجح؟ ﴿ مشروعي ترك بصمة خاصة. عندما بدأنا لم يكن هذا الفن شائعاً عندنا، ولم يكن مقدراً في ما مضى ولم يقدّم أبحاثاً مهمة. اليوم مهمتي استكمال تلك اللغة الغرافيكية العربية المعاصرة، التي يمكن أن تنعكس اجتماعياً ومحلياً، وتعكس العالم العربي في الخارج، يمكن أن تنعكس رقياً ثقافياً لا ثقافة تقليدية. وعندما أتكلم في لاس فيغاس عن الفن الغرافيكي العربي يستغرب الناس هناك كيف أننا مشغولون بهذه المهمة، نحن نريهم وجهاً آخر عن العربي، وأنا متفائل بالنتائج.